تفاصيل موازنة السودان بين رفع دعم المحروقات وزيادة المرتبات والوظائف..رضوخ كامل لتعليمات صندوق النقد الدولي
الخرطوم “تاق برس” – فجرت ميزانية السودان للسنة المالية 2020 خلافا حادا بين وزارة المالية وتنظيم قوى الحرية والتغيير بشأن سياسة رفع الدعم عن الوقود، الذي طبقته الحكومة في الميزانية، والذي اعتبره التنظيم امتثالا كاملا لتعليمات صندوق النقد الدولي الأخيرة.
وقوى الحرية والتغيير مكَون سياسي يجمع عددا من الأحزاب السياسية التي قادت ثورة شعبية، أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل الماضي.
وقبل عام من الآن، اندلعت احتجاجات شعبية في عدد من المدن السودانية تنديدا بالأوضاع الاقتصادية المتردية، وتطورت إلى ضرورة تغيير نظام الحكم في السودان.
وأعلنت الحكومة الانتقالية في السودان ليل الجمعة عن ميزانية عام 2020 وتضمن أبرز ملامحها في رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 100 بالمئة من 425 جنيها حاليا إلى ألف جنيه وتوفير 250 فرصة عمل للشباب والخريجين لتقليص معدلات البطالة الحالية التي تفوق 20 بالمئة، بحسب تقديرات غير رسمية.
وقال وزير المالية، إبراهيم البدوي، عقب اجتماع للحكومة استمر ساعات طويلة أجيزت فيه الميزانية مبدئيا، إن الموازنة تقترح رفعا تدريجيا لدعم المحروقات، فيما تبقى الدعم على القمح وغاز الطبخ.
واقترحت الميزانية إطلاق برنامج للحماية الاجتماعية سيستهدف في مرحلته الأولى 900 ألف أسرة (أكثر من 4 مليون شخص) ممن يعانون فقرا مدقعا سيتم اختيارهم بصورة علمية ليتم تقديم دعم نقدي مباشر لهم بواقع 1500 جنيه شهريا لكل أسرة.
وسيرتفع هذا الرقم ليشمل 60 إلى 80 بالمئة خلال النصف الثاني من العام المقبل.
وتتضمن الموازنة أيضا مضاعفة الصرف الفعلي على قطاعي التعليم والصحة ورفع سقف التأمين الصحي بنسبة 100 بالمئة.
وقال البدوي إن الميزانية السودانية تقترح تخصيص 9 مليار جنيه سوداني لصندوق السلام والتنمية، بالإضافة لتخصيص 7 بالمئة من الإيرادات للولايات المتأثرة بالحروب والنزاعات.
وأوضح البدوي أنه من الصعب الحفاظ على تضخم منخفض وسعر صرف مستقر في ظل استمرار الدعم السلعي.
وتشمل السلع المدعومة المحروقات ( البنزين، الجازولين وغاز الطبخ) بالإضافة الى القمح والأدوية.
وبحسب احصائيات حكومية سابقة فإن قيمة الدعم على المحروقات بجميع مشتاقتها يصل الى 2.250 مليار دولار سنوياً فيما يصل الدعم للقمح 365 مليون دولار سنوياً.
وأوضح البدوي أن الموازنة تركز على ثلاثة محاور تشمل تحقيق أهداف التنمية الأممية المستدامة، والأخذ في الاعتبار معاناة الشعب السوداني نتيجة الإفقار الممنهج للنظام السابق، بالإضافة لبرنامج الحماية الاجتماعية المتعدد، وأعلن البدوي أن الميزانية أقرت مَجانية تعليم الأساس تماماً وعدم فرض أي رسوم، وتوفير وجبة إفطار مَجانية لكل طلاب الأساس في المدارس الحكومية عبر تخصيص (2%) من التحويلات بالولايات، بالإضافة لمَجانية العلاج في المستشفيات الحكومية ومَنع أي رسوم.
وستُرفع الموازنة لمجلس السيادة وسيعقد مع مجلس الوزراء اجتماعا مشتركا لمناقشتها ومن ثم إجازتها بشكلها النهائي.
وتعاني البلاد من أزمات اقتصادية متجددة، ونقص في وفرة عديد السلع الرئيسة كالخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية).
وتواجه الحكومة الانتقالية، التي عينت في أغسطس الماضي برئاسة عبدالله حمدوك، عددا من الصعوبات الاقتصادية واختلالات كبيرة في المالية العامة والحسابات الخارجية، والتضخم المرتفع، والعملة الوطنية المتدنية جدا مقابل العملات الأجنبية.
وعلى الرغم من هذه المعطيات، إلا أن وزير المالية إبراهيم البدوي اعتمد سياسية لرفع الدعم متدرج عن الوقود في ميزانية العام المقبل. وحسب عرض تقديمي لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ناقشته مع عدد من الهيئات والتجمعات الاقتصادية والسياسية، تم اعتماد ميزانية تتضمن رفع الدعم عن البنزين بدءا من الشهر المقبل، على أن يكتمل تحرير أسعار البنزين بحلول أبريل 2020. وسيبدأ تحرير أسعار الغازولين في أغسطس المقبل. كما تتضمن تحرير أسعار الصرف، وأسعار السلع الاستراتيجية بحلول يونيو/حزيران 2021، وكلها إجراءات طالب بها صندوق النقد الدولي في وقت سابق من الأسبوع الجاري.
وتضمنت مطالب الصندوق حسبما ورد في وثيقة رسمية له تحرير سعر الصرف، وتعبئة الإيرادات، والإلغاء التدريجي لدعم الوقود، وإجراء زيادة كبيرة في التحويلات الاجتماعية لتخفيف أثر التصحيح على المجموعات الضعيفة.
وقال في بيان من الضروري إطلاق النمو توسيع شبكات الأمان الاجتماعي، لدعم الإصلاحات والتحسينات في بيئة الأعمال والحوكمة. وأضاف سيكون توسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وتركيز مساعداتها في البداية عاملا أساسيا للمساعدة على تخفيف وطأة الإصلاحات التي قد تكون صعبة على شرائح المجتمع الضعيفة.
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في وقت سابق ان السودان في حاجة ماسة إلى اتخاذ قرارات وإصلاحات جريئة وشاملة، حتى يستقر الاقتصاد ويقوى النمو المتراجع.
وأضاف ان الأوضاع الاقتصادية ما تزال صعبة في السودان، على خلفية استمرار عجز المالية العامة والتضخم المرتفع وضعف فرص الحصول على التمويل، لكنه أعرب عن أمله في أن يتيح التغيير السياسي للسودان، فرصة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي تعالج الاختلالات الاقتصادية الكلية الكبيرة، وتخَلق الظروف الملائمة لتحقيق نمو شامل ومستدام.
ويتزامن مع بدء سريان ميزانية 2020 عدد من البرامج تتضمن: إعادة هيكلة وإصلاح الجهاز المصرفي، وإنشاء مفوضية للدعم الاجتماعي، فضلا عن إطلاق برنامج للدعم النقدي، عبر دعم 4.5 مليون مواطن وإطلاق التعداد السكاني والزراعي والمسوحات.
إلا أن مسودة ميزانية السنة المالية الجديدة قوبلت بمعارضة شاملة من قبل قوى الحرية والتغيير التي تمثل الجناح السياسي في الحكومة الانتقالية.
وشن عادل خلف الله، عضو اللجنة الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير هجوما على منهج وزير المالية في إعداد الميزانية ووصفه بالمنهج التقليدي.
وقال ان المنهج الذي أعدت به ميزانية العام المقبل، لم يراعِ الأسباب التي اندلعت من أجلها الثورة والتي غلب عليها العامل الاقتصادي.
وأضاف في مقابلة جرت الجمعة مع الاناضول إن ما تقوم به الحكومة السودانية ليس دعما للسلع، بل هو سداد لفروقات سعر الصرف للسلع التي تستوردها الحكومة. وأشار إلى أن الميزانية الحالية لا تختلف عن الميزانيات التي وضعها نظام الرئيس المخلوع البشير، لإنها وضعت حسب منهج البحث السريع عن الحلول السهلة.
وكان سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار قد سجل في وقت سابق من الأسبوع 90 جنيها للبيع و88 للشراء في الأسواق الموازية مقارنة بـ45 جنيها السعر الرسمي للبنك المركزي السوداني.
وحدد خلف الله عددا من مصادر النقد الأجنبي التي يمكن للسودان الاعتماد عليها في المرحلة المقبلة، تتضمن عائدات الذهب عقب إنشاء بورصة للذهب لمنع تهريبه إلى الخارج.
وكانت سياسات بنك السودان المركزي السابقة تتضمن احتكار شراء الذهب من المنقبين الأهليين الأفراد (غير الرسميين) بأسعار الدولار الرسمي، بينما يفضل المنقبون تهريبه إلى الخارج، للاستفادة من سعر الدولار المرتفع في السوق الموازية. والعام الماضي بلغ إنتاج السودان من الذهب نحو 93 طنا.
وعلى العكس من انتقادات خلف الله للميزانية، اعتبر شوقي عبدالعظيم، عضو البرنامج الإسعافي الذي وضعته قوى الحرية والتغيير، ان ميزانية 2020 هي البداية الحقيقية للمعالجات الاقتصادية. ولكنه قال ان الدراسات الاقتصادية أكدت على ضرورة تطبيق رفع الدعم عن الوقود لاسيما البنزين، إلا أن مكونات قوى الحرية والتغيير تعده خطأ سياسيا فادحا في ظل الظروف الراهنة.