الطاهر ساتي …. (ح نبنيهو)!!
:: يوم السبت الفائت، كان النشاط في الجدول الأسبوعي لتجمع المهنيين السودانيين حملة (ح نبنيهو)، حيث كانت الدعوة للشباب المشاركة في فتح وتنظيف مصارف المياه، تحسبا للأمطار.. ولأن أول الغيث هطل بالخرطوم، كنت حريصا على رصد آثار هذه الدعوة وحجم مشاركة الشباب بالخرطوم، و- للأسف – كانت المشاركة دون الطموح.. والجدير بالانتباه هو أن الشباب يشاركون في المواكب بالإجماع، بيد أن مشاركتهم في حملات (ح نبنيهو) تكاد تكون (فرض كفاية).
:: فالبذل في ساحات البناء يجب أن يكون كما البذل في مواكب الثورة، أي يجب ألا يكون (فرض كفاية)، بحيث يشارك البعض ويسقط عن الآخرين.. وكما قاد الشباب في معارك الثورة بوعي ووطنية وحماس، نأمل أن يتواصل نشاط تجمع المهنيين وقيادته للشباب في معارك التنمية والبناء بذات الوعي والوطنية والحماس.. وعلى سبيل المثال الراهن، فإن التحسب لمخاطر السيول والأمطار بالمدن والأرياف بالسواعد والمعاول يجب أن يكون تحديا للشباب، حتى تجتاز البلاد فصل الخريف بأمان.
:: نعم كان ومايزال وسيظل هذا الخريف رمزاً للخير والنماء.. ولكن في بلادنا – حيث موطن عقول السلطات التي لا تتقن التفكير الاستباقي ثم المجتمع الذي ينتظر تلك السلطات في كل صغيرة وكبيرة – صار الخريف رمزاً للكوارث ومصدراً من مصادر التوجس.. وليس في الأمر عجب، هكذا دائما الحال بالدول التي لا تعرف معنى التحسب للأزمات الموسمية.. واليوم (نبصم بالعشرة)، لم تبادر السلطات – طوال أشهر الصيف والشتاء – بالتفكير في تجهيز نموذج من نماذج التعامل الجيد مع مخاطر أمطار وسيول هذا العام.
:: كل السلطات، الولائية منها والمحلية، بل حتى المجتمعات، كالعهد بها دائماً، تُجمّد عقولها وتنتظر الأمطار والسيول لتتعامل مع مخاطرها بردود الأفعال المرتبكة و(نفتح الخور دا) و(نقفل الترس داك)، وذلك بعد هطول الأمطار وتدفق السيول وخراب البيوت و الديار.. وبعد الدمار والكوارث وإحصاء الضحايا سوف يُحمّلون القضاء والقدر مسؤولية عجز العقول عن التفكير.. ولن تغادر حياة الناس في كل فصول الخريف بؤس الحال ما لم تتخلَّ السلطات والمجتمع عن نهج (التواكل)، وترقب الأزمات لتضطرب.
:: التفكير الاستباقي، والذي يتحسب لمخاطر الأشياء، كما ظل مفقوداً في عقول أجهزة وسلطات الدولة، غائب أيضاً في المجتمع، ولذلك تتجلى – في مثل هذه الأشهر من كل عام – من مشاهد وأحوال الناس والبلد ما تبكيك دماً ودموعاً.. فالخريف لم يكن في أي موسم من المواسم، ولا في أي بلد من البلاد، رمزاً للخراب والموت، ولكنه في بلادنا موسم للمراثي.. قرى بأكملها تتوسد مجرى السيل بعلم وأمر وتخطيط السلطات، وهذه كارثة تصنعها الحكومة ولا ترفضها المجتمعات القاطنة في مجاري السيول.
:: وشوارع المدن والميادين تحتفظ بمياه الأمطار لحين التبخر أو التسرب إلى جدران المنازل بسوء التخطيط، وهذه أيضا كارثة تصنعها الحكومة ولا تبادر المجتمعات بتحسين أحوال ميادينها وشوارعها، بحيث لا تتحول إلى بحيرات ومستنقعات.. فالتخلص من البرك الآسنة ليس بحاجة إلى (ورش عمل) أو (مال قارون).. طاقات الشباب قادرة على (الردم والدفن)، وكل المطلوب قيادة واعية تستغل هذه الطاقات لصالح الوطن والمواطن.. فالشاهد، من أزمات البلد العجز عن استغلال كل الموارد، بما فيها طاقات الشباب.