كلام صريح/ سمية سيد .. فك الإرتباط (1)
في خطابه بالقصر الجمهوري مساء الجمعة، أعلن رئيس الجمهورية عمر البشير بأنه سيكون رئيساً قومياً، يقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب السياسية.. صحيح لم يعلن صراحة استقالته من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، لكن الإعلان بوضوح جاء على لسان مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبد الله قوش لدى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف قبل أقل من 3 ساعات من خطاب البشير.
من الواضح أن المكتب القيادي للحزب لم يكن على علم بنية رئيسه في التنحي، لذلك استغرق وقت التبليغ الرسمي بالقرار أكثر من ساعتين مما أصاب الملل معظم المنتظرين في باحة القصر الجمهوري لخطاب الرئيس.. ويقال إن اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني شهد تجاذبات وتشاكسات ورفض من بعض القيادات. مما اضطر البشير لتغيير في طرح الفكرة من إعلان التنحي عن الحزب بشكل واضح بمثل ما ذكره الفريق قوش إلى القول بأنه سيقف في مسافة واحدة مع كل الأحزاب.. تصريح نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني فيصل حسن الذي جاء خطاً رئيسياً على صحيفة الرأي العام بأن البشير هو رئيس المؤتمر الوطني أبلغ صورة لحالة الارتباك تلك.
تمسك حزب المؤتمر الوطني بمنصب رئاسة الجمهورية له مببرات منطقية لدى قيادات وقواعد الحزب.. الحزب الذي يصنف نفسه بأنه أقوى الأحزاب السياسية وأكبرها قاعدة شعبية وبرلمانية يصعب عليه تصديق فكرة التحول من كرسي الحكم والسيطرة على الجهاز التنفيذي إلى الرصيف السياسي شأنه في ذلك شأن الأحزاب الأخرى.
البشير تخلى عن الحزب في الوقت الذي يسخر فيها الحزب كل الياته لإعادة ترشيحه للمرة الرابعة لانتخابات 2020 بالاتجاه نحو تعديل الدستور، غير آبه بالتحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة السياسية على خلفية الاحتجاجات الشعبية المستمرة لأكثر من ثلاثة أشهر.
ما الذي قاد الرئيس البشير للتنحي عن حزب المؤتمر الوطني؟.
المؤكد أنها أسباب قوية جداً وقد تكون بعيدة عن حسابات قيادات الحزب المستفيدة من هذا الوضع بل بعيدة عن حسابات المكتب القيادي الذي لا يمكن تصديق تقديمه مثل هذه التنازلات الكبيرة..
فمنذ اشتعال شرارة الاحتجاجات التي أطلقتها قوى الشباب بسبب مشكلات اقتصادية جراء شح الخبز والوقود والكاش وحتى رفع سقف المطالبات برحيل النظام كان رد فعل حزب المؤتمر الوطني الحاكم هو الإنكار والتقليل من قوة تأثيرها وحصرها في مارقة من الشيوعيين وأحزاب اليسار.. الحزب لم يَصْحُ من ثباته العميق إلا على كارثة قرار البشير بالتخلي عنه أول أمس.
المفاجأة قادت لكثير من التحليلات. ربطها البعض بالبعد الخارجي، وتدخلات مباشرة من واشنطن وعواصم خليجية وعربية يهمها استقرار السودان وإيجاد مخرج للازمة دون خلخلة الأمن الداخلي.. ولأن واحدة من تعقيدات المشهد السياسي الحالي تتمثل في سيطرة حزب المؤتمر الوطني على مفاصل الدولة بالقدر الذي لن يمكن من قيادة حوار يفضي إلى تراضي تيارات عديدة، فكان من الضرورة التضحية بالحزب الذي ظل جاثماً على أنفاس الوضع السياسي منذ تسعينات القرن الماضي.