ضياء الدين بلال.. الإحتجاجات بين سبتمبر وديسمبر!!
-1-
الاحتجاجات الأخيرة في حاجة ملحة لقراءة فاحصة وتأمل دقيق، من عدة زوايا.
الأفضل مقارنتها بالاحتجاجات السابقة خلال حقبة الإنقاذ، وربما الأوفق اختيار احتجاجات سبتمبر2013 كنموذج للمقارنة، أقرب من حيث الشكل والتوقيت.
سبتمبر كانت أكثر شراسة من قبل المتظاهرين بارتفاع نسبة التخريب والأكثر عنفاً في رد فعل الحكومة من حيث عدد الضحايا.
في سبتمبر 2013 تركزالتخريب والعنف المضاد في العاصمة القومية، في ديسمبر2018 انتقل التخريب والعنف إلى بعض الولايات وكان جل الضحايا من خارج العاصمة.
الاحتجاجات بدأت شرسة في عطبرة والقضارف ودنقلا ثم محدودة في مدني وشمال كردفان والنيل الأبيض وأخيرا الخرطوم، وعندما وصلت العاصمة تحولت من مطلبية لسياسية تسعى لتغيير النظام.
-2-
الاحتجاجات الأخيرة بدأت في الولايات عفوية لأسباب موضوعية اعترفت بها الحكومة، ثم تولى أمرها كيان غامض منظم سمى نفسه تجمع المهنيين، ولا تزال قوى المعارضة بخطى متعثرة تحاول اللحاق بالركب.
لأول مرة في تاريخ الاحتجاجات المناهضة للحكومة خلال الثلاثين عاماً يتم حرق مقار الحزب الحاكم.
في تظاهرات سبتمبر فاقم استمرار الدراسة بالمدارس والجامعات في اتساع رقعة المواجهة وازدياد عدد الضحايا، لذا استبقت الحكومة تصاعد الأحداث بإغلاقها.
-3-
في سبتمبر لم تلجأ الحكومة لتوقيف خدمة مواقع التواصل الاجتماعي ولكن فعلتها في ديسمبر، حينما أدركت مقدرتها على التأثير حتى ولو بالأكاذيب.
لم يحقق حظر مواقع التواصل الاجتماعي الغرض المنشود نسبة لانتشار برامج تطبيقيات (بروكس ماستر وفي بي ان) ساعدت على كسر الحظر.
ازداد دور وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة وأعطت تلك المواقع حجماً وزخماً للاحتجاجات أكبر بكثير عما هو موجود على أرض الواقع، حتى أصبحت الشائعات أقوى من الحقائق.
-4-
معظم الناشطين المؤثرين على تشكيل الرأي العام الإسفيري موجودون خارج البلاد خاصة في الدول العربية وبعضهم يعمل بأجهزة إعلام تابعة لتلك الدول.
من خلال احتجاجات الأسبوع الماضي وضح أن الناشطين أكثر تنظيماً من الأحزاب السياسية.
رد الفعل السياسي والإعلامي من قبل مؤيدي الحكومة كان أقل قوة وأضعف تأثيراً عما حدث في سبتمبر2013.
وضح من خلال التصنيف العمري للمتظاهرين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي اتساع مشاركة الشريحة العمرية ما دون الثلاثين مع مشاركة أكبر للعنصر النسائي.
-5-
مع تراجع مظاهر الأزمات الاقتصادية ضعفت مشاركة المواطنين غير المسيسين وأصبح النشاط الاحتجاجي محصوراً في الحزبين والناشطين.
في الاحتجاجات الأخيرة كان ملاحظاً مشاركة أبناء وبنات بعض القيادات الموالية للحكومة والمحسوبة على تيارها الإسلامي.
-6-
كان لافتاً اهتمام القنوات الفضائية بالأحداث الأخيرة خاصة (الجزيرة والعربية واسكاي نيوز والبي بي سي).
الجزيرة التي كانت مصنفة في سبتمبر 2013 بممالاة الحكومة وعدم الاهتمام بالاحتجاجات لكن في هذه المرة أعطت اهتماماً كبيراً بما حدث.
تغير موقف قناة الجزيرة من الحكومة السودانية برز بوضوح عقب الزيارة المفاجئة للرئيس عمر البشير لسوريا.
يتضح أكثر موقف الجزيرة من الحكومة السودانية من خلال تغطيات موقعها الإلكتروني، وفي شبكة التواصل الاجتماعي وعبر الجزيرة مباشر، حيث احتلت احتجاجات السودان حيز متابعة قضية خاشوقجي.
قناتا العربية واسكاي نيوز بدا عليهما التردد بين متابعة تقارب الجزيرة وأخرى تبدو أقل وأقرب للحياد.
في سبتمبر 2013 كانت العربية واسكاي نيوز- بدرجة أقل- أكثر عداء للحكومة السودانية إلى أن تم إغلاق مكتب العربية في الخرطوم.
القنوات المصرية لم تولِ اهتماماً كبيراً لأحداث السودان عكس ما كان عليه الوضع في سبتمبر 2013.
البي بي سي البريطانية حافظت على نهجها المهني، كانت أقرب للموضوعية والاعتدال دون عداء جاهر أو محاباة سافرة.
-7-
الأحزاب المتحالفة مع المؤتمر الوطني عبر مشروع الحوار الوطني انقسمت إلى موقفين:
أحزاب التزمت الصمت والهمهمة، وأغلبها راضياً بقسمته في السلطة.
وأحزاب انتقلت من الموالاة إلى العداء بعضها غير راضٍ بما نال وكسب والبقية خرجت من السلطة.
قيادة حزب الأمة تطابق موقفها في ديسمبر مع ما كان عليه الوضع في سبتمبر.
السيد الصادق المهدي أقرب لرفض خيار المواجهة ودكتورة مريم وأخواتها مع الاحتجاجات، بينما التزم السيد عبدالرحمن بالصمت في المرتين.
احتجاجات سبتمبر رغم شراستها لم تتجاوز الايام المعدودة، بينما نجد احتجاجات ديسمبر مستمرة لزمن أطول، مع تغيير نوعي في طبيعة المتظاهرين.
-ختاماً-
ربما هذه حسابات المشهد الآن ما لم يحدث تطور لاحق يغير سياق المقارنة ويفرض حقائق جديدة.