صلاح الدين عووضه : الخيال !
الخيال !
أيام…ورمضان..
فسريعاً مرت الأيام…كالخيال أحلام
أو أيام وأغاني وأغاني…ويللا نغني…وأغاني زمان..
فأيام رمضان – ولياليه – باتت ترتبط في أذهاننا بالأغاني على الشاشات..
كل شاشة تنافس الأخرى في الغناء..
محض تقليد يتبعه تنافس ؛ دونما إبداع خلاق من أجل التجويد.
والإبداع الخلاق إنما يصنعه الخيال المبدع..
وشاشاتنا تفتقر إلى الخيال ؛ وتتوافر – بشدة – على المحاكاة..
ولذلك لا أتابع شاشاتنا هذه بعد الإفطار..
فأنا أحفظ ما تقدمه – منذ سنوات – عن وجع قلب…طوال أيام رمضان..
فإما تشويه لأغاني الكبار من تلقاء الصغار..
وإما سخف كوميدي يسعى لانتزاع الضحك من المشاهد بحركات سخيفة..
وإما إعلانات تفتقر إلى أبسط مقومات الجذب الدعائي..
فأغلب ما يقدم عبر قنواتنا يعوذه خيال الإبداع..
وهذا الضرب من الخيال هو حلقة الوصل بين شذرات كلمتنا هذه..
والتي هي قبل أيام من أيام رمضان..
ولأن شاشاتنا تخلو من هذا الخيال فهي تدور في حلقات مفرغة..
حلقات التقليد…والتكرار…والاجترار…والاستنساخ..
حتى الضيوف يتنقلون بين شاشة وأخرى…استغلالاً لشهوة ظهورٍ بدواخلهم..
ومن ثم فهم يهرولون نحوها عند أول رنة..
بينما أهرول أنا منها عند أول عزفة ؛ كما فعلت في رمضان الماضي..
فجذبني برنامج اسمه شيخ الحارة..
وكان ينضح إبداعاً…وإدهاشاً…وخيالاً…وإيقاعاً متسارعاً للأسئلة والأجوبة..
لا كما عندنا هنا ؛ بطءٌ حارق للأعصاب في كل شيء..
في الأسئلة…في الأجوبة…في حركة الكاميرا…في فواصل بطول السؤال..
والأهم من ذلكم كله الفقر المدقع في الخيال الخلاق..
وكتاب أعدت قراءته للمرة الرابعة – في رمضان ذاك – جمع بين خيالين..
الخيال الخلاق الذي يتجلى سلاسةً في رشاقة السرد..
والخيال الذي قد يكون محض خيال مغرض ؛ أو فيه بعضٌ من الحقيقة..
فهل المهدي – وقادته – كانوا يعيشون فعلاً حياة مزدوجة؟..
هل كانوا يبدون زاهدين في العلن وشهوانيين في السر؟…كما يقول سلاطين؟..
والكتاب – طبعاً – هو السيف والنار في السودان..
ويزعم أن المهدي كان ينتقي لنفسه أجمل السبايا…ومن بعده خليفته عبد الله..
ثم يتدرج جمال السبايا من بعدهماهبوطاً حسب تدرج القادة..
وتمتلئ البيوت بالزوجات…والسراري…والجواري…والسبايا ؛ وفقاً لسلاطين..
كما تمتلئ بأطايب تُلتَهم بعيداً عن أعين العامة..
وربما يكون خيال سلاطين شطح بعيداً – في هذا الجانب – بدافع من الحقد..
وربما حلق قريباً بدافع من أمانة التوثيق ؛ لا ندري..
أما الخيال الخلاق الذي أبهرني فهو ما كانت تبثه قناة ناشيونال جيوغرافيك..
تبثه في وقت تتمايل فيه قنواتنا – بسلامتها – طرباً..
تبثه عبر سلسلة عن حياة أينشتاين – الخاصة والعامة – بعنوان العبقري..
ونظريته النسبية كان فيها أيضاً الخاص والعام..
وكل نظرية لديه أذهلت العالم تخلقت خيالاً في عقله..
ولهذا قال قولته الشهيرة: العلم الذي لا يقوده الخيال لا يتجاوز حدود المعقول..
وفي رواية أخرى يقول: الخيال أهم من العلم..
ولكن خياله الذي جلب له النجاح العلمي هذا لم يجلب له النجاح الأسري..
فالفشل كان عنواناً أليماً لكل حياة زوجية عاشها..
وربما لم يفهم ألغاز النساء بالقدر الذي فهم به ألغاز السماء..
أو قد يكون السبب هو افتقار زوجاته إلى ذاك الذي كان يوليه أهمية عظمى..
الخيال !.
الصيحة