الإقتتال القبلي في السودان .. آلة الموت تستعر وتحصد الأرواح
“نزاعات وصراعات واقتتال قبلي يتفجر من جديد في السودان وينتقل من منطقة الى أخرى كالنار في الهشيم، جراء الحقوق في الحكم وفتحت باب المطالب المشروعة لمن أصطلح على تسميتهم بسكان “الهامش والنتائج مزيدا من الموت وحصد الأرواح وتعميق الغبن والأزمة التهجير ومعاناة السكان وعدم الاستقرار”.
الخرطوم “تاق برس” – الموت ورائحة الدماء عادت هكذا فجاة لأكثر من مكان في السودان، صراع بين قبيلتي الهوسا والبرتي او “البرتا” انتقل بسرعة كالنار في الهشم من اقليم النيل الازرق جنوبي السودان، الى ولاية كسلا شرقي السودان ومدني وسط السودان ومن ثم انتقل الى منطقة الحواتة بولاية القضارف شرق السودان، مخلفًا وراءه قتلى تخطوا 83 قتيلا ومئات الجرحى حتى لحظة كتباة التقرير، ضاقت بهم المستشفيات على ضعف امكانياتها ، وتبعها عمليات حرق وخراب ودمار، خلفت اجواء مشحونة بالعنصرية وعودة التوترات والنزاعات القبلية الدامية.
عودة الإقتتال ..
واندلعت اشتباكات قبلية في ولاية النيل الأزرق الحدودية مع إثيوبيا، في جنوب السودان، لتتخذ السلطات المحلية إجراءات أمنية، لكن يستمر مسلسل سقوط الضحايا ليصل عدد القتلى إلى أكثر من 79 شخصا حتى الآن.
وتشير التقارير إلى أن التوتر بدأ في مناطق قيسان والرصيرص وود الماحي، بين الهوسا ومجموعة من القبائل بعد مقتل مزارع في منطقة اداسي التابعة لمحلية قيسان، في اليوم الأول لعيد الأضحى.
وانتقل النزاع القبلي من أداسي إلى قنيص، التي قُتل فيها 13 تاجرًا وأحرقت متاجر في السوق، كما انتقلت الاشتباكات إلى مناطق بكوري وأم درفا بولاية النيل الأزرق.
وحسب المعلومات فإن الاشتباكات تجري بين فريقين، قبيلتي البرتا والفونج من جانب، وقبيلتي الهوسا والفلاتة من جانب آخر.
وتعود أسباب القتال وفق روايات متطابقة، إلى مطالبة قبيلة الهوسا بنظام إدارة أهلية خاصة بها، بينما ترفض مكونات قبلية أخرى تتزعمها قبيلة “البرتا” ذلك، مؤكدة أن سلطة الإدارة الاهلية تمنح لأصحاب الأرض، وأن الهوسا لا أرض لهم بالمنطقة.
وطالبت قبائل في إقليم النيل الأزرق، ومنها الفونج والبرتا والانقسنا، بإلغاء إمارة الهوسا التي يصنفون أبناءها ضيوفا على الإقليم. وهو ما يرفضه أبناء الهوسا، ويقولون إنهم يمارسون حقوقا نالوها بالمواطنة.
رواية حكومية ..
يقول حاكم إقليم النيل الأزرق، أحمد العمدة إن “القصة بدأت قبل شهرين عندما طالب أبناء الهوسا بإلحاقهم بالإدارة الأهلية في الإقليم وتم احتواء الأمر”.
وفي العاشر من يوليو، اشتبك مزارعون من الهوسا مع رعاة من قبيلة البرتا في منطقة قريبة من مدينة قيسان على الحدود السودانية الإثيوبية مقابل إقليم بني شنقول الإثيوبي، بحجة أن مواشي قبيلة البرتا تعدت على زراعتهم، وقُتل شخصان جراء ذلك.
وبعد 4 أيام، اندلع النزاع داخل مدينة قيسان، وقُتل فيه 13 شخصا وفق حكومة الإقليم، وسرعان ما امتد إلى مناطق أخرى.
لكن سكان مدينة الرصيرص ثاني كبرى مدن الإقليم، يقولون إن الأمر بدأ “منذ يناير الماضي، عندما أقام شباب الهوسا مؤتمرا في منطقة ود الماحي احتفالا بعيد الاستقلال وشارك فيه مسؤولون حكوميون، وكان هذا أكبر نشاط لإمارة الهوسا بعد الاعتراف الحكومي بها”.
وفي اجتماع بُث على مواقع التواصل الاجتماعي لقبائل الفونج والبرتا والانقسنا وغيرها من القبائل الأصلية في المنطقة، طالبت قياداتها بإلغاء إمارة الهوسا.
وترفض الهوسا هذا الأمر، ويقول أبناؤها إنهم يمارسون حقوقا نالوها بالمواطنة. وقال إبراهيم حسين من الهوسا “عمري 56 عاما ومولود في منطقة ود الماحي، وكذلك أبي، فكيف لا تكون هذه أرضي؟ وإلى أين أذهب؟ أنا مواطن سوداني وهذه حقوقي”.
لكن كبير الإدارة الأهلية في النيل الأزرق، العمدة العبيد حمد أبو شوتال، يرفض تمسك الهوسا بالأرض؛ ويقول “هذه حاكورة قبائل النيل الأزرق، وأنت ضيف علينا، كيف تطالب بأن تكون جزءا من الإدارة الأهلية، ومعروف أن الإمارة مرتبطة بأن تكون لك حاكورة”.
صراع الهوية والأرض ..
الهوسا واحدة من كبرى القبائل الأفريقية وتنتشر في أكثر من 10 أقطار غرب القارة، من ضمنها السودان، وخاصة في مناطق دارفور والجزيرة وسنار وفي النيل الأزرق.
ولم تجزم الروايات المتناقلة حول تاريخ وصول الهوسا إلى السودان، على الرغم من أن كتاب “طبقات ود ضيف الله” لمحمد نور ضيف الله، الذي أرخ للمجتمع السوداني خلال فترة السلطنة الزرقاء (1504 إلى 1821) ذكر أن خلوة المدرسة التقليدية لتدريس القرآن الكريم شمالي الخرطوم كان بها 5 آلاف طالب قدموا من غرب أفريقيا.
وإبان الثورة المهدية (1885 إلى 1898) ذكر أبو سليم في كتابه “تاريخ الثورة المهدية” أن اثنين من أمراء جيش المهدية الذين قاتلوا معه في معارك كردفان بوسط السودان ينتميان إلى الهوسا، وهما المير كنو والهوساوي.
ومع نشأة مشروع الجزيرة بوسط السودان (1925)، استقدم الحكام الإنجليز عمالا زراعيين من غرب أفريقيا، فطاب لهم المقام واستقروا.
وتقول روايات ان وجود الهوسا في منطقة النيل الأزرق يعود إلى مطلع أربعينيات القرن الماضي، فبعضهم نزح إلى هنا من وسط السودان وآخرون كان يسلكون الطريق عبر النيل الأزرق ثم إثيوبيا ليعبروا البحر الأحمر في منطقة باب المندب لأداء فريضة الحج، وفي عودتهم استقروا وعملوا بالزراعة والتجارة مع إثيوبيا”.
ويثير عدد الضحايا الذي تجاوز العشرات، والمشاهد العنيفة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، المخاوف من أن يتطور الأمر في منطقة لم تعرف صراعات قبلية ذات طابع عنيف تاريخيا.
ويتخوف مراقبون من امتداد الصراع إلى داخل إقليم بني شنقول الإثيوبي الذي تبني فيه أديس أبابا سد النهضة، حيث يعيش أبناء قبيلة البرتا على طرفي الدولتين، مقابل وجود قليل لقبيلة الهوسا في بعض القرى والمدن الحدودية.
ولوقف نزيف الحرب وتحول السودان الى بؤر نزاع جديد ومقبرة جماعية، انتشر على منصات التواصل الاجتماعي اكثر من وسم يدعو للسلام والتهدئة ونبذ العنصرية والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية، مثل ” #النيل_الأزرق_تنزف” .. #السودان_الوطن _الواحد .. #أدوا_السلام_فرصة، وغيرها في مقابل دعوات لانهاء اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا عاصمة جنوب السودان في أكتوبر من العام 2020، لكون انها بحسب ما يرى البعض لم تحقق السلام ولا تعبر عن سكان تلك المناطق بقدر ما أنها حققت مكاسبًا سياسية لقيادات في بعض الحركات المسلحة.
#النيل_الازرق_تنزف #السودان_الوطن_الواحد
الفاشر
في مقدمتهم الشيوخ وحفظه القرآن رافعين المصاحف والالواح وعلم السودان رفضاً للعنصريه
20يوليو2022 pic.twitter.com/HozbCsoCgv— hala haya 5 (@NidalSaad4) July 20, 2022
القبيلة .. الحاضنة الاجتماعية ..
ولفترة طويلة، ظلت النيل الأزرق الولاية السودانية الوحيدة خارج نيران الصراعات القبلية؛ فهي لم تسجل أي نزاع قبلي خلال المدى القريب ودرجة التعايش الاجتماعي بين مكوناتها رغم تقاسمها بين الحركة الشعبية لتحرير السودان ومكونات اخرى يربط بينها مشتركات ووشائج بين الإثنيات التي تقطنها رغم اختلافهم الاثني والقبلي.
وتتجدد هذه الاشتباكات بين المزارعين والرعاة في فترات الخريف ونزول الأمطار حيث تعد خلافات على قضايا الزراعة، كما أن من أسباب اندلاع مثل هذه الاشتباكات يعود أيضا، إلى “حالة الانقسام في المشهد السياسي السوداني، والتي أدت إلى ضعف قبضة الحكومة على مفاصل الدولة، وأصبحت تتسم بقدر كبير من الهشاشة والسيولة، وهذا ما يتخوف منه بعض المراقبون في أن يغري بعض الجماعات المتفلتة باستغلال الوضع وتنفيذ ما ترى أنه القانون بيدها”.
وظهرت فرص سياسية جديدة وأصبحت القبيلة حاضنة اجتماعية ووحدة مهمة جدا في إطار التنافس حول المواقع السياسية، مثل الإدارة الأهلية، وتعيين بعض الأمراء القبليين من قبليتي الهوسا والفلاتة في منطقة هي تاريخيا محسوبة على قبائل البرتا، مما يثير حفيظة القبائل”.
وتعتبر قبائل البرتا نفسها أصلية، وتعتبر الفلاتة والهوسا قبائل وافدة، حيث نزحت هاتان القبيلتان من نيجيريا وغرب أفريقيا وسكنا المنطقة منذ نحو مئتي إلى 300 عام. البرتي – أحدى قبائل الانقسنا.
القبيلة كأداة للتنافس السياسي ..
صار الاقتتال القبلي والقبيلة اداة من أدوات الفعل السياسي وهو ما عزز النزاع القبلي ، هذه الفرضية هي التي ساقها مدير المركز السوداني لحقوق الانسان وحرية الاعلام أمية يسوف أبو فداية، وقال لـ(تاق برس) ان العلاقة التي نشأت في الفترة الماضية للقبيلة ودورها هو الذي عزز النزاعات القبلية، حيث كانت القبيلة منذ دولة الفونج حين جاء الانجليز في العام 1955 وجدوا دورها انها حاكمة فكانت تعطي “نظارة”، وقبيلة متوسطة تعطى العمودية ، وقبيثلة صغيرة تعطى “المشيخة”، وتظل حاكمة لتعزز دور الدولة واستمرت على هذا النحو لفترة طويلة وتعزز هذا الدور للقبيلة خلال فترة حكم الرئيس السابق “عمر البشير ، حكومة “الانقاذ”، الامر الذي جعل القبيلة ترفض الدور الصغير وتتضجر وتبحث عن دور أكبر للحكم، ابو فداية اعتبر ان القبيلة صارت اداة من أدوات الفعل السياسي، حتى في اطاتر القبيلة الواحدة وهو ما عزز النزاعات وجعل النزاعات في المدن لما بها من موارد وسلطة ، ابو فداية اشار الى أن شعور سكان تلك المناطق بضعف الدولة هو الذي جعل نفوذهم يتمدد ورفع مكانة ودور القبيلة في الحكم.
الخلاف حول السلطة وغياب الحكومة..
وقال ابو فداية وهو الخبير في النزاعات وحقوق الانسان ان الخلاف السياسي في الخرطوم العاصمة والمركز للحكم اسقط ظلاله على مناطق النزاعات بسبب الخلاف حول الكراسي والسلطة ما غذى الشعور لدى سكان المناطق التي تواجه نزاعات بان كل شخص في الحكم يريد الحفاظ على الكرسي ويمدد نفوذه على مستوى المركز وعلى مستوى المنطقة، بجانب ضعف الدولة وشعور كثير من السودانيين بغياب الدولة وضعفها.
ابو فداية اعتبر ان الحلول الامنية ليست حاسمة على المدى الطويل لهذه النزاعات المتكررة ، وانه لابد من حلول متكاملة تتمثل في الارشاد الديني وادوار الجماعات والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لتعزيز ونشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش الديني وتقديم حلول للمجتمع والدولة عبر القبائل والنظار، واستشهد بالمصالحات التي تتم في دارفور وعودة الاوضاع للانفجار في كل مرة.
واشار ان الى تدهور العملية السلمية في مناطق “الهامش” والنزاعات مرده الى ان توقيع السلام الذي تم في العام 2020 هو سلام فوقي لحركات ليس لديها شعبية او جذور ضاربة في الارض، مما تسبب في ان الذين يشعرون بانهم أصحاب الحق تضرروا وتضجروا من الاتفاقات التي تمت.
ولفت الى إتفاق السلام كان يجب ان يسبقه مفوضية السلام، وتكون عقل جمعي وتحدد اي منطقة فيها مشاكل تحتاج لنقاش من واقع ما تعيشه من ازمات وليس تقسيم السودان كله مثملا حدث في المفاوضات التي جرت في جوبا بتقسيم السودان لكه لاقاليم ومناقشة قضاياه .
أبو فداية اشار الى ان مفوضية السلام كان من مهام ان تحدد من هو صاحب المصلحة الحقيقية للتفاوض معه، وفي ماذا تتفاوض معه، لانه لا يمكن ان يتم التفاوض مع مجموعة في قضايا تمس السودان كله ، مثل العلمانية والمطالبة فهذه قضية لا تناقش مع جهة ثنائيا في اطار منطقة جغرافية او قبيلة او رقعة محددة او مصالحة مع حركة.
ابو فداية اشار الى ان هنالك قضايا كلية تهم الوطن كله، لا تدخل في حوار السلام.
https://twitter.com/nefert546/status/1548738754604572676?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1548738754604572676%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.alhurra.com%2Fsudan%2F2022%2F07%2F17%2FD987D8B0D987-D8A3D8B1D8B6D986D8A7-D8B9D8A7D8AF-D985D8B3D984D8B3D984-D8A7D984D8AFD985-D988D984D8A7D98AD8A9-D8A7D984D986D98AD984-D8A7D984D8A3D8B2D8B1D982-D8A7D984D8B3D988D8AFD8A7D986D98AD8A9D89F
الإدارة الأهلية والصراعات القبلية..
والإدارة الأهلية نظام قبلي معترف به بقانون الإدارة الأهلية، وبموجبه تتولى هذه الإدارة التي تتضمن العمدة والناظر والشيوخ، شئون القبيلة، “وعندما يتم تشكيل إدارة أهلية خاصة بقبيلة الهوسا، يعطيها ذلم مزيدا من النفوذ داخل الولاية مستقبلا، ولذلك ترفض قبيلة البرتا تشكيل الهوسا إدارة أهلية خاصة بها”.
لكن بعد خروج “النيل الأزرق” من حرب أهلية طويلة بين الحكومة والتمرد بفضل اتفاق جوبا للسلام في السودان، باتت مهددة بالعودة الى الصراعات القبلية، وسط مساع لاحتواء هذه الأحداث.
واندلعت أعمال العنف تلك إثر خلافات بين مجموعات قبلية حول مسائل تتعلق بتقسيمات وزعامات الإدارة الأهلية بالمنطقة.
وحملت لجنة أطباء السودان المركزية الأجهزة الأمنية مسؤولية تدهور الأوضاع لعجزها عن حماية السكان والممتلكات.
وتعتبر أحداث منطقة النيل الأزرق الأخيرة وكسلا هذه واحدة من سلسلة أعمال دموية تشهدها العديد من أقاليم السودان.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، قتل أكثر من ألف شخص في إقليم دارفور بسبب نزاعات مسلحة تأثرت بها العديد من مناطق الإقليم الذي يشهد منذ العام 2003 حربا أهلية راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل وأدت إلى تشرد نحو 2.5 مليون معظمهم من الأطفال والنساء.