(تاق برس) يخترق دهاليز مقر إقامة الخلية الإرهابية.. قصة جريمة غامضة
بالصور والشهادات
لا شيء يميز المنزل بالرقم (123) في حي جبرة عن غيره، لكن أخطر الإرهابيين القادمين من خارج الحدود اتخذوه مسكناً لما يقارب العام، ولم يلحظهم أحد!
“جيرة ملغومة”
الخرطوم – محمد عبدالباقي
على آخر قطعة أرض تقع في النهاية الجنوبية الغربية لمربع (13) بحي جبرة جنوب الخرطوم، شيّد عبدالحي يوسف (أحد أكثر رموز النظام السابق الذين استغلوا مواقعهم كخطباء وأئمة مساجد من أجل الكسب المادي) مبنىً من عدة طوابق، خصص طابقه الأرضي مسجداً وفي الطوابق العليا توجد منظمة المشكاة الخيرية التابعة لعبدالحي نفسه.
اللافتة المرفقة مع النص – الصورة 1، والتي يظهر عليها بخط واضح “وقف المرحوم عصمت خضر طه”، لازالت هناك على واجهة المبنى الذي استردته لجنة إزالة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال العامة من رموز النظام البائد.
عشرون متراً فقط، مساحة طريق غير مسفلت يفصل المبنى المذكور عن مبنىً يقع جنوبه مباشرة، وهو المبنى الذي شهد نهار (الثلاثاء) الماضي، جريمة إرهابية شديدة الخطورة، راح ضحيتها خمسة أفراد من منسوبي جهاز المخابرات العامة، بينهم ثلاثة ضباط برتب مختلفة وأثنان من ضباط الصف.
الحادثة وقعت في داخل وعلى محيط منزل – يظهر في الصورة 2- يفصل بينه وبين المبنى الذي توجد به منظمة المشكاة- أقل من خمسة مبانٍ فقط ، ووفقاً لروايات الشهود والأجهزة الأمنية فإن ثلاثة من أفراد المخابرات تم قتلهم داخل المنزل والرابع قتل في تبادل إطلاق نار خارج المنزل، والخامس وهو السائق أجبره الإرهابيون على قيادة عربة المخابرات التي فروا بها من موقع الحادثة وقتلوه لاحقاً.
ربما؛ يسأل البعض عن السبب الذي جعلنا نبتدر وصف المنزل الذي وقعت به الجريمة الإرهابية من وصفنا لمقر منظمة المشكاة؟
الإجابة: يرجع الأمر لسببين، الأول هو أن شاهد العيان الرئيس – نرمز له هنا باسم أحمد بناءً على طلبه- الذي كان على علم مُسبق بالعملية التقته (تاق برس) بالمسجد الذي يقع في عمارة يوسف عبدالحي المُستردة.
والسبب الثاني أن عدداً من سكان المنطقة التي وقعت بها الحادثة، يشيرون بأصابع الاتهام لعبدالحي يوسف، ويعتقدون أنه المُتسبب الرئيس في جلب الإرهابيين لجبرة.
يبدأ أحمد الذي يترواح عمره ما بين (60-70 عام) الحديث لـ(تاق برس) من اللحظة التي تعرف فيها على أحد ضباط جهاز الأمن أثناء مراقبته للمنزل الذي يقطنه الإرهابيون.
يقول أحمد، وهو رجل تبدو عليه البساطة، والعفوية، وشديد الاندفاع في حديثه، أنه تعرف بالصدفة على أحد أفراد الأمن الذين استشهدوا في الحادثة قبل أسبوع تقريباً، ويضيف: ” قبل أسبوع أو أكثر تقريباً، رأيت شاباً ليس من أهل المنطقة، يتردد كثيراً على هذا الشارع”؛ يقصد طريقاً فرعياً يَمُرُّ من أمام المنزل، مسرح الحادثة.
واستطرد شارحاً لحظة تعرفه على الضابط: “سألتُ الشاب –لاحقاً تبين أنه نقيب في جاهز المخابرات- من وين أنت يا ولد، أنت ما من المنطقة؟” يقول شاهد العيان المدعو أحمد: “قال لي الولد يا حاج والله شايف وجهك وجه خير وأنا عايز أقول ليك سر وعايزك تساعدني فيه”. ويضيف “قلت له خير”.
يقول إن ذلك الشاب أخبره بأنه ضابط في الأمن ويعمل على مراقبة أهل ذلك المنزل لأنهم يبيعون مخدرات.
كان الشاهد أحمد في غاية الإنفعال والارتباك، ويبدو أن السبب يرجع إلى أنه كان أول من دخل المنزل الذي حدثت به الجريمة عقب قتل أفراد المخابرات، وكذلك هو من جلب عربة من الطريق العام، أقنع سائقها باسعاف أحد أفراد القوة حين أصيب خارج المنزل، ولذلك تبدو روايته غير متماسكة، وربما؛ يرجع ذلك إلى شدة الصدمة أو المفاجأة التي رآها بأعينه بحسب عدد من سكان المنطقة الذين أجمعوا على أنه أول وصل لمكان الحادثة.
وعدم تماسك روايته، يظهر في إشارته إلى الطريقة التي تحدث بها إلى ضابط الأمن وسرعة كشفه لمهمته رغم أنها غاية في الخطورة.
في مثل هذه الحالات بحسب أمنيين استطلعتهم (تاق برس) أن الشخص المسؤول عن مراقبة المنزل يفترض أن يكون من أهل المنطقة أو شخص لا يلفت النظر إليه بسهولة.
المنزل الذي وقعت به الجريمة، مكون من طابقين وله مدخلان، ناحية اليمين –انظر الصورة رقم 3– وهو عبارة عن ضلفة واحدة تفضي لسكن الإرهابين، أما المدخل الكبير فتدلف منه أسرة صاحب المنزل التي تم إخلاؤهم عقب الحادثة مباشرة.
لا شيء يميز المنزل عن المنازل المحيطة به سوى أربعة أشجار نيم تمت زراعتها بالترتيب أمام الواجهة، ويظهر أن المنزل اكتمل تشييده حديثاً لأنه لم يتم دهنه من الخارج، بعد.
اليوم الثاني للحادثة (الخميس) كانت شبابيك الغرف العُليا ومدخل المبنى جميعها مفتوحة، وتظهر ستائر بلون أحمر في الطابق العلوى، وفي الطابق الأول كانت الغرف مضاءة والمراوح تعمل بسرعة معقولة.
شاهد أخر من الجيران يعمل معلماً بمدرسة خاصة، يبعد منزله عن منزل الحادثة بشارع واحد قال لـ(تاق برس) إن قِلَّة من سكان الحي شاهدوا الإرهابيين يخرجون من منزلهم، ويؤكد أنه شاهد في مرة واحدة أحد الإرهابيين يخرج من المنزل ومعه زوجته وهي تحمل طفلاً صغيراً في يديها.
لكن أحمد يقول إنه التقاهم داخل المسجد، وبحسب كلامه، إنهم لا يصلون في المسجد المجاور لمكان سكنهم، لكن في مرة واحدة، قال إنهم جاءوا لصلاة الجمعة وهي المرة الوحيدة التي صلوا فيها معهم.
المنطقة المحيطة بالمنزل الذي وقعت به الجريمة، ويُعتقد أنه يحمل الرقم (123) (بحسب إفادة أحد سكان المنطقة، الذي قال إنه ليس متأكداً تماماً من الرقم ولكنه يعتقد وفقاً لحسابات أجراها أن المنزل رقمه (123)، غارقة في هدوء لا يشبه ضجيج أحياء العاصمة، ويرجع السبب إلى أن سكان المنطقة لا يتداخلون كما وصفهم أحد الأشخاص الذين قابلتهم في موقع الحدث، وهو رجل طاعن في السن، عمل سابقاً بعدة صحف بالخرطوم.
ويقول الرجل إن قلة فقط من السكان هم الذين يعرفون جيرانهم، ويرجع ذلك إلى أن السكان قادمون من مناطق مختلفة، ولذلك لا يحبذ أحد التعرف على الأخر ولذلك أصبحت المنطقة التي شهدت أكثر من حادثة إرهابية المكان المفضل للخارجين عن القانون.