ضياء الدين بلال .. نحن نزرع الشوك …!!
-١-
إعلانٌ تلفزيونيٌّ للنجمة الاستعراضية المصرية شريهان، جذبَ أنظارَ واهتمامَ الملايين.
لا حديثَ في الإعلام المصري، ما بعد موكبِ المومياوات الملكيةِ المُهيب، إلا عن عودةِ شريهان عبر إعلان شركة الاتصالات فودافون.
حتى تساءلَ روُّادُ مواقعِ التواصل الاجتماعي مَن يُعلنُ للآخر؟!
هل شريهان تعلنُ لشركة الاتصالات، أم الشركةُ هي التي تُعلن لعودة شريهان للأضواءِ مرةً أخرى؟!
-٢-
مَن مِنّا قبل أكثرَ من عشرين عاماً لا يذكرُ نجمةَ مصرِ الاستعراضية الأولى، شريهان ، وهي تبدعُ وتبهرُ في فوازير رمضان.
مَن مِنّا لا يذكرُ فيلم (العذراء والشعر الأبيض) مع الراحل محمود عبد العزيز ونبيلة عبيد لكاتبه الأستاذ إحسان عبد القدوس؟!
شريهان طاقةٌ إبداعيةٌ مُتفجِّرة دائمة الجريان، تدخلُ إلى القلوب دون استئذانٍ، تغني وتمثلُ وترقصُ وتضحكُ وتبكي على إيقاع الأطفال.
هي على وصف صديقنا جمال حسن سعيد: (زولة تفتح الروح ضلفتين).
داهمها السرطان، فهزمته بروح المرح وطاقة الابتسام والتفاؤل.
في نكبة ثانية، كادت أن تلحقَ بشقيقها، أشهر عازف جيتارٍ في العالم العربي، المبدع الوسيم عمر خورشيد، بذات الطريقة الصادمة.
حادثٌ حركةٍ أليم وغامض، أحاطت به الشائعاتُ من كل جانب، وهو ذاتُ ما حدث عقب وفاة شقيقها عمر خورشيد في مستهل الثمانينات.
انكسر الظهرُ والحوضِ وقطعت أعصابُ الرجلين، وأُجري لها عددٌ من العمليات المُعقّدة في فرنسا وأمريكا.
ظلت شريهان حبيسةَ مراقدِ المستشفيات، لعددٍ من السنوات، تُقاوم الأوجاعَ والآلام بالصبرِ الجميل، كادت أن تدخلَ دهاليز النسيان.
-٣-
شركةُ فودافون بذكاءٍ خلاقٍ، دفعت أكثر من اثنين مليون دولار، حتى تقبَّل شريهان عرضَ تقديم الإعلان الرمضاني.
حقّقت الشركةُ ما أرادت وأكثر، وعادت شريهانُ للأضواء بذاتِ الألقِ الطفولي المُشرق.
أكثر ما يُميِّز نجوميةِ شريهان، رغم تعاقُب السنوات، ودوران ساعةِ العمر، لا تزالُ تحتفظُ بشغبها الطفولي اللذيذ.
شاهدتُها بعد الإعلانِ في حفلٍ أقامته العدلي قروب، ظهرت فيه بذاتِ الملامح الطفولية، كأنّها غابت أمس لتعودَ اليوم (عينا باردة ما شاء الله).
الزمنُ كان مُتسامحاً معها، وعطوفاً عليها، كأنها كانت في كبسولةٍ خرافية، منعتْ صروفِ الأقدار من المساس بشكلها وروحها.
في ذلك الاحتفال، شكرت شريهان، الجمهورَ والحضورَ ومنظمي الحفل بجمل بليغة: (شكراً لكم، وأنتم كلّما انهار جدارُ روحي أقمتوه لي من جديد، وكلّما تبعثرت أحلامي جمعتوها لي كل عيد).
-٤-
كلُّ ما سبقَ، مُقدِّمة لفكرة واحدة، ظلّت تطرق أبواب تفكيري منذ زمانٍ.
ذلك هو الفرقُ العظيم بيننا، وأشقائنا في شمال الوادي، أهل مصر.
هُم يحتفون بنجومهم، ويحتفظون لهم بمقاماتِ الود والاحترام، يُحيطونهم بالمَحَبّة والتعاطُف، حين تتنكّبهم الأيام ونوائب الدهر.
الأهراماتُ المُجسّدة للتاريخِ وعظمة الرموز والأجداد، ليست مشروعاً سياحياً تحتكره المتاحف للزوار لدعم حصائل الدولار.
الأهراماتُ في مصر مشروعُ حياة دائمة ومتكاملةٍ وجاريةٍ في شرايين الحاضر.
نجومُهم في الفنِ والأدب والعلم والرياضة، هي أهراماتُهم التي تعيشُ بينهم ومعهم، يُحيطونها بالمَحَبّة والرعاية الرسمية والشعبية.
لذا في كل مجالٍ تجد لمصرَ رموزاً خالدةً، مُحصّنةً من جوائح عداء الأقران، وترصُّد الحاسدين، وتنمُّر السابلة والدهماء.
وما إن يقترب مُشاغبٌ أو مُتهوِّرٌ بسُوء من حمى الرموز، فإذا بصواريخ الحماية الجماهيرية تنتاشه من كُلِّ جانبٍ.
-٥-
أكثرُ ما يُوهن بناءنا القومي، ويُضعف مردود مناعتنا الوطنية عدم وجود رموز تمثل ركائز للتماسُك والصمود.
بل الأسوأ والأمر والأضر، كلما لمعَ نجم استثنائي وصعدت أسهمُه في بورصة التميز أصبح هدفاً للتربُّص والمكائد والمُؤامرات.
كلّما تقدّم شخصٌ إلى الأمام أصبح هدفاً لمن هُم وراءه.
المبدعون مُستهدفون، والعباقرة مُحاربون، والانتهازيون يصعدون على جِراح الوطن لقطف الثمار الآثمة، والأغبياء في نعيم!!
-٦-
شريهان تشكُر من أقاموا جدار روحها بعد انهيار، وتُرسل قبلةً نورية على بريد الجميع. وشاعرنا الكبير عبد القادر الكتيابي يرثي حال مُبدعينا منذ أزمنة خاله التجاني يوسف بشير وإدريس جماع إلى اليوم:
عرفتُ الآن كيفَ غدي
فساعةُ حائطِ الأضلاعِ سابقة
وحاضرُ يومِهم أمسى
مضى الماضي وقدّمني
فلا وجهي على المرآة أشبهني
ولا ظلي يُلازمني.. ولا زمني
مضى المسلولُ والمذهولُ والمجذوب
يا مجذوب
أتتركني هنا وتذوب؟
حرامُ كيف تتركني..؟
دنا الجلادُ…
تلك ظلالهم لاحت
ترى هل أحضروا ثمني؟
من قبلي من الشعراء قد أنصفت يا وطني.
نقلا عن السوداني