عضو في هيئة الدفاع عن المتهمين في انقلاب الانقاذ يدحض قرار المحكمة عدم إسقاط الجريمة بالتقادم ويكشف عن خطأ كبير من القاضي
محاكمة مدبري انقلاب الثلاثين من يونيو 1989تفتح الباب واسعا لمناقشات قانونية حامية!
اصدرت المحكمة الجنائية الخاصة قرارا بخصوص الدفع بالتقادم المسقط المقدم من عدد من هيئات الدفاع لغالب المتهمين، حيث رفضت المحكمة هذا الدفع لسببين الاول ان الجريمة محل النظر من الجرائم المستمرة والثاني ان الجريمة تعتبر من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وفق احكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية،،،،
هذا القرار في شقه الاول سوف يثير جدلا قانونيا بحسبان ان القانون السوداني لايعرف تقسيم الجرائم الي جرائم مؤقته وجرائم مستمرة،،فالجرائم كلها وقتيه وهي التي ترتكب وتتم بانتهاء الفعل المكون لها فهي تنتج مباشرة عن الفعل او الامتناع المكون لها كالقتل والسرقة والنصب الخ،،،لذلك ذهبت المحكمة تلتمس العون والمساعدة من الفقه الجنائي المقارن ومن السوابق في القضاء المصر ي،،،لم تسعفها كل الارث القضائي السوداني والقانوني،،،ورغما عن ذلك فلا مندوحة في اللجو الي القانون الجنائي المقارن باعتباره من عمل الشراح لانهم عند قيامهم بابحاثهم القانونية بصدد قوانينهم يبحثون ايضا في القوانين الاخري للمقارنة وعملهم هذا يؤدي الي التقريب بين القوانيين المختلفة عن طريق قيام الشارع بتعديل قانونه بادخال ما يراه ملائما من القوانين الاخري،،،
اذن يجدر بنا ان نبتدر النقاش حول الجريمة المستمرة من ذات المصادر التي اعتمدت عليها المحكمة الموقرة،،،الجريمةالمستمرة تتكون من حالة جنائية ينشئها الجاني وتستمر مدة طويلة او قصيرة، والجريمة تتم بمجرد نشوء الحالة الجنائية،الا انها لا تنتهي الا بانتهاء الحالة الجنائية ذاتها،ومن امثلتها حبس الناس دون وجه حق،اخفاء الاشياء المسروقة واحراز الاسلحة دون ترخيص واحراز المخدرات فهذه الجرائم تظل مستمرة الي ان يفرج عن المحبوس بارادة الجاني او تتمكن السلطات من اطلاق سراحه او يتمكن المحبوس من الهرب،،والاشياء المسروقة اما ان تضبط بواسطة الشرطة او يبيعها الجاني فيكون حساب التقادم ليس من يوم وقوع الحبس ولا السرقة بل يوم انتهاء الحبس او بيع الاشياء المسروقة،،،وبالتالي اتفق الشراح بان الجريمة المستمرة بالمعني الصحيح هي الجريمة المستمرة استمرارا متجددا متتابعا،،اي استمرار الحالة الجنائية مدة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة والعبرة في الاستمرار هنا هي بتدخل ارادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلا متتابعا متجددا،،،فيبدا التقادم في الجريمة المستمرة من اليوم التالي لانتهاء الحالة الجنائية المكونة لها وتنتهي تلك الحالة اما من جانب الجاني نفسه بالتخلي او باكتشاف الجريمة وضبطها،،،فقد حكم في مصر بان جريمة اخفاء الشيئ المسروق مع العلم بسرقته هي جريمة مستمرة لا تنقطع الا بخروج الشيئ المسروق من حيازة مخفيه،،،ويبدا التقادم من تاريخ البيع وليس من تاريخ السرقة،،،
لو اسقطنا هذا الشرح علي الجريمة محل نظر المحكمة،،نجد ان المادة96الفقرة،ا،ج تنص علي الاتي(يرتكب جريمة او يحرض او يساعد علي ارتكاب اي فعل بقصد تقويض الدستور او هدم السلطة او النظام السياسي للبلاد)وواضح ان هذه الجريمة الركن المادي فيها هو القيام بفعل او التحريض عليه او المساعدة والفعل بمعناه الواسع،،،عسكريا،سياسيا،اقتصاديا وذلك بقصد تقويض الدستور او هدم السلطة او النظام السياسي،، ففي الثلاثين من يونيو 1989قام المتهمون بتحريك اليات عسكرية والاستيلاء علي مواقع استراتيجية في الدولة بالقوة وذلك بهدف الغاء الدستور وهدم السلطة الشرعية،،،وبالفعل قاموا بالغاء الدستور وحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وحل البرلمان والقبض علي المسئولين وقادة الاحزاب الخ اكتملت الجريمة في ذات اليوم او اليوم التالي،،،ماذا بقي من الافعال المكونة للجريمة؟ هل هذه الجريمة مؤقته ام مستمرة؟،،،
اما الفقرة الثانية من المادة 96تقرا كالآتي(يثير الحرب ضد الدولة عسكريا او سياسيا او اقتصاديا او يشرع في ذلك او يحرض عليه)وعناصر الجريمة:ان تكون هناك اثارة حرب او شروع في ذلك او تحريض عليه،،،وان يكون ذلك ضدالدولة،وان يكون ذلك عمدا بقصد اثارة الحرب،،،وقد تحققت كل هذه العناصر في ليلة الثلاثين من يونيو،،،الم تنتهي الحالة تماما؟نترك الاجابة لاساتذتنا من رجال القانون،،القضاة،،المحامون،المستشارون،وكلاء النيابة،،اساتذة القانون في الجامعات،،،،
هذا من ناحية الفقه المقارن،،ومن ناحية اخري فا ن رئيس المحكمة الجنائية الخاصة ومنذ بداية الاجراءات ظل يردد ان المحكمة معنية فقط بما جري في يوم الثلاثين من يونيو 1989،،،وكان حاسما في منع اي تناول لوقائع لاحقة،،،كان مقتنعا بان الجريمة قد وقعت واكتملت اركانها في ذلك التاريخ،،،ونزيد من الشعر بيتا بان القاضي اعتبر ما حصل بعد ذلك التاريخ المحدد من وقائع هو مجرد اثار للجريمة تضعها المحكمة في الاعتبار لتشديد العقوبة او تخفيفها،،،ما الذي تغير ليقلب الامور راسا علي عقب؟
هذه الجريمة ظلت مستمرة منذ الثلاثين من يونيو1989الي يوم الحادي عشر من ابريل سنة 2019 ،،كل الوقائع والاحداث خلال هذه الفترة تعتبر افعالا مكونة للجريمة،،،وكل من شارك في اي جهاز من اجهزة الدولة يعتبر جانيا وكل من تم تعينه من قبل المتهم الثاني(عمر البشير)بمن فيهم قضاة المحكمة انفسهم يعتبروا شركاء في الجريمة،،،وسوف يتجاوز الامر حدود البلاد الي المجتمع الدولي الذي ظل يتعاون مع المتهمين ويبرم معهم الاتفاقيات جميعهم شركاء في الجريمة،،،اما قيادات دولة جنوب السودان الذي شاركوا المتهمين في حكم البلاد منذ 2005الي 2011فهم شركاء في الجريمة ايضا،،،وكل القوانين التي سنها المتهمون والتي ما زالت سارية تعتبر جزء من الحالة الجنائية،،،وهيئات الدفاع والاتهام والنائب العام،مكانهم الصحيح ان يكونوا في قفص الاتهام جنبا الي جنب مع المتهمين الثمانية والعشرون،،،هذا القرار سوف يدخل البلاد في حيص بيص هي في غني عنها يكفيها الثقل الذي عليها،،،الكرة في مرمي المحاكم الاعلي!!
اما الجزء الثاني من القرار فهو الذي يفلق المرارة،،ذهبت المحكمة الخاصة الي القول بان المادةالسادسة الفقرة الثالثة من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقاليةلسنة 2019تعديل 2020 اعتبرت الجريمة محل النظر انها لا تسقط بالتقادم(جريمة تقويض الدستور واثارة الحرب ضد الدولة)وقد اوردت المحكمة النص في الوثيقة كالآتي(علي الرغم من اي نص ورد في اي قانون لا تسقط جرائم الحرب….الخ النص)وساورد النص كاملا(علي الرغم من اي نص ورد في اي قانون،لا تسقط بالتقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم القتل خارج نطاق القضاء،وانتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني وجرائم الفساد المالي وجميع الجرائم التي تنطوي علي اساءة لاستخدام السلطة التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو)هذا هوالنص الكامل،،والصادم والذي يصيب بالكورونا،،فهم القضاة لمقصود جرائم الحرب،،بانها اثارة الحرب ضد الدولة الواردة في التهمة الموجهة للمتهمين،،،بينما المقصود بجرائم الحرب كما هو وارد في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية،،،الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الاربعة المؤرخة بتاريخ 12/8/1949 اي الافعال ضد الاشخاص او الممتلكات الذين تحميهم احكام اتفاقية جنيف ذات الصلة(القتل،التعذيب،،،الخ)بالاضافة الي الانتهاكات الخطيرة الاخري للقوانين والاعراف السارية علي المنازعات الدولية المسلحة،،،واصبحت هذه الجرائم علي المستوي الوطني جزءمن القانون الجنائي،،،وبالخلاصة فان هذه الجريمة معنية بحماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب حول نزاع مسلح دولي او غير دولي،،،،اما نصوص القانون الجنائي السوداني فقد وردت في المادة 186تحت عنوان،،الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية والجرائم الخاصة بالحرب،،،وفصلت المواد من المادة 188إلي المادة192،،،ما هية جرائم الحرب علي النحو التالي : جرائم الحرب ضد الاشخاص،جرائم الحر ب ضد الممتلكات والحقوق الاخري،جرائم الحرب ضد العمليات الانسانية،جرائم الحرب الخاصة باساليب القتال المحظورة،جرائم الحرب الخاصة باستخدام وسائل علمية واسلحة محظورة،،،هذه هي جرائم الحرب الواردة في المادةالسادسة من الوثيقة الدستورية والتي لا تسقط بالتقادم اما جرائم الباب الخامس في القانون الجنائي السوداني تحت عنوان،الجرائم الموجهة ضد الدولة،،والجرائم الواردة في القانون الجنائي لسنة 1983تحت عنوان تقويض الدستور واثارة الحرب ضد الدولة،،،لا تشملها استثناء التقادم،،،
اتظنون ان القضاة الثلاث فات عليهم كل ذلك ووقعوا في خطا عادي يمكن ان يقع فيه اي احد؟ لا اظن ذلك،،،
المسالة ليست قلة علم ولا نقص خبرة،،،علينا ان نبحث وراء ذلك عن السبب الحقيقي،،،لو سلمنا ان الجريمة من الجرائم المستمرة كما ذهبت الي ذلك المحكمة فان غالب المتهمين بمن فيهم موكلينا من قيادات المؤتمر الشعبي فان الحالة الجنائية المستمرة قد انتهت بالنسبة لهم منذ 1999حيث خرجوا من النظام بل فاصلوه،،فيبدا التقادم منذ ذلك التاريخ،،،فكان لزاما علي المحكمة ان تامر بشطب البلاغ واطلاق سراحهم،،،،ثقل ذلك علي المحكمة،،،اما انحيازا لتيار سياسي يسعي لادانة هؤلاء تحت كل الظروف وهذا مستبعد في تقديري،،،واما استجابة لضغوط الشارع وهذا وارد بطبيعةالحال،،،وحالة اخري نراها راي العين تحوم حول القضاة يتولي كبرها قوي التغيير والحرية عبر ما يسمي بلجنة ازالة التمكين،،،هذه اللجنة لها سلطات ما انزل الله بها من سلطان تستطيع الاطاحة بأي قاضي بجرة قلم،،وقد سلت سيفها اول مرة بفصل مائة وخمسين قاضيا من اعلي الدرجات الي اسفلها،،،فكيف لا يخاف القضاة،،هم مرعوبون الا من رحم ربه وقليل ماهم،،،
اننا لا نطعن في حيدة ونزاهة قضاة المحكمة الجنائية الخاصة ولكننا نشكك فيها،،،وذلك حديث اخر نفرد له حيز اوسع،،،هذه مجرد شذرات من وحي الحكم الصادم،،،،وحجر نلقيها في البركة الساكنة،،،لتحريك النقاش القانوني الموضوعي،،،،،،والسلام
بارود صندل رجب/المحامي