جريدة لندنية: حمدوك انحنى أمام العاصفة، لكنه يتلقى الآن دعما مهما..طموحات البرهان تصطدم بقانون حماية التحول الديمقراطي
قانون أقره الكونغرس الأميركي يعتبر ضمانة لالتزام الخرطوم بالتحول الديمقراطي في ظل رفض نواب غلق ملف شطب اسم السودان من لائحة الإرهاب بشكل نهائي.
حمدوك انحنى أمام العاصفة، لكنه يتلقى الآن دعما مهما
قطع الكونغرس الأميركي الطريق أمام طموحات رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وذلك بعد إقراره قانونا جديدا لإزاحة العقبات التي قد تعرقل الانتقال الديمقراطي في البلاد، ملوحا بفرض عقوبات على مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، في خطوة يرى مراقبون أنها ستعدل الكفة بين المكونين المدني والعسكري في الخرطوم.
الخرطوم “تاق برس“ – وكالات – أعاد قانون جديد أقره الكونغرس الأميركي، يدعم التحول الديمقراطي في السودان، التوازن بين المكونين المدني والعسكري في السلطة الانتقالية، في وقت بدا فيه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ممسكاً بغالبية خيوط العملية السياسية، بما يعزز نفوذ الجيش في السلطة.
وأصدر الكونغرس الأميركي، الجمعة، تشريع “الانتقال الديمقراطي في السودان، والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020″، ويستهدف إزاحة أي عقبات قد تعترض التحول الديمقراطي، أو تشكل خطراً على استمراره، متوعدا بفرض عقوبات على من يعرقلونه أو يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان، أو يستغلون موارد الدولة الطبيعية في عرقلة هذا التحول.
واستطاع البرهان، بمشاركة المكون العسكري في مجلس السيادة، تخطي عقبة السلام مع الحركات المسلحة، وأنجز الجزء الأكبر من رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب عبر تنشيط مسار التطبيع مع إسرائيل، واستطاع أن يُغير من شكل الحاضنة السياسية من خلال “مجلس شركاء المرحلة الانتقالية”، لكنه يصطدم الآن بتشريع جديد قد يقلب موازين القوى. وفقاً (لجريدة العرب اللندنية).
شمائل النور: القانون الجديد يمهد لتشكيل حكومة مدنية جديدة بصلاحيات واسعة
ويربط القانون الجديد بين تأجيل أو إلغاء ديون السودان لدى الولايات المتحدة وبين اتخاذ جملة من الخطوات اللازمة لتحسين الشفافية المالية للمؤسسات الاقتصادية العسكرية من خلال وجود رقابة مدنية على أموال وأصول الأجهزة العسكرية والأمنية، والكشف عن أسهمها في الشركات العامة والخاصة وتحويلها إلى وزارة المالية أو أي جهاز مستقل يخضع لسيطرة الحكومة المدنية.
وأصبح على المكون العسكري بالسودان تقديم المزيد من التنازلات للحكومة المدنية بشأن إدارة الشركات الخاضعة للجيش، أو قوات الدعم السريع، وهو الملف الذي شهد حالة من الشد والجذب بين الطرفين منذ بدء الشراكة بينهما، وسط اتهامات متبادلة بتسبب كل طرف في تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأرجع رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، فشل حكومته في التعامل مع الأزمات الاقتصادية إلى وجود نسبة 82 في المئة من الإيرادات العامة تحت سيطرة شركات تابعة للجيش، وتحظى استعادة هذه الشركات بأولوية لدى حكومته، وهو ما نفاه البرهان وحمل الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.
ولدى البعض من المتابعين قناعة بأن الطرف المسيطر على الاقتصاد له الكلمة العليا في مستقبل عملية الانتقال وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، وأن قرار الكونغرس الأخير يُعطي أفضيلة للقوى المدنية لتكون على رأس السلطة، مستفيدة من دعم أميركي قد يتزايد مع وجود إدارة جديدة تعطي أولوية لدعم التحول الديمقراطي.
وبات الحديث عن أن استمرار العسكريين على رأس مجلس السيادة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية لن يكون مقبولاً داخلياً وخارجياً، ما يفرمل الأحاديث التي راجت حول إجراء انتخابات يشارك فيها من تولوا مناصب سياسية خلال الفترة الانتقالية.
وقالت المحللة السياسية شمائل النور، إن القانون الجديد يقدم دعماً مباشراً لحمدوك، ويمهد لتشكيل حكومة مدنية جديدة بصلاحيات واسعة مع نفوذ عسكري محدود داخلها، بما يؤسس لإمكانية رقابة وزارة المالية على جميع المؤسسات الاقتصادية.
وأضافت لـ”العرب”، أن الوكالات الأميركية التي ستكون منوطة بتقديم الدعم للسلطة الانتقالية لن تستطيع ممارسة دورها، طالما أن الحكومة لا تستطيع فرض ولايتها على المال العام، وعدم تجاوب العسكريين يعني عدم استفادة السودان من المساعدات، لأن الحكومة ستواجه برفض بشأن الحصول على دعم دون آلية رقابة شفافة.
وأعد الكونغرس مشروع القانون الخاص بدعم السودان في مارس الماضي، ويخول للرئيس الأميركي تقديم المساعدة للحكومة السودانية “لتعزيز السيطرة المدنية على أجهزة الأمن والمخابرات، والتأكد من أن هذه الأجهزة لا تسهم في استمرار الصراع في السودان أو الحد من الحريات المدنية”.
على السودان حسم جملة من الملفات العالقة، لأن تحريك الضغوط الخارجية وسط توقع تحرك الشارع قد يُجبر الأطراف المختلفة على تقديم تنازلات للحفاظ تماسك الفترة الانتقالية
ونص القانون على أن جهود واشنطن لإعادة هيكلة وإلغاء ديون السودان، بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب، لا بد أن تسبقها إفادة من الرئيس الأميركي تتضمن قيام السودان بالخطوات المطلوبة تجاه الشفافية المالية للمؤسسات الاقتصادية العسكرية.
ويقول البعض من المراقبين إن توقيت إجازة القانون يبرهن على أن هناك رغبة أميركية في إحداث التوازن مع سرعة الحركة في ملفات متعددة، لأن هناك ضغوطا تمارسها أطراف إقليمية على الكونغرس لتمرير تشريع “السلام القانوني” الذي يمنح الخرطوم حصانة ضد الملاحقات المتعلقة بأعمال إرهابية نفذت في الماضي.
ويعد القانون الجديد ضمانة لالتزام السودان بالتحول الديمقراطي في ظل اعتراضات متصاعدة من قبل نواب في الكونغرس يرفضون غلق ملف شطب اسم السودان من لائحة الإرهاب بشكل نهائي، ويسعون للإمساك بخيوط ضغط على السلطة الانتقالية حال وجود عثرات خلال فترة الانتقال، أو وقوع انقلاب على مكتسبات الثورة.
ورفض ضحايا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في برجي مركز التجارة في نيويورك، السبت، عرضا من الحكومة الأميركية بقيمة 700 مليون دولار، وطالبوا بـ4 مليارات دولار، مقابل الموافقة على منح السودان حصانة قانونية في وجه أي ملاحقات مستقبلية تتعلق بهجمات إرهابية تمت في السابق.
القانون الجديد الذي أقره الكونغرس الأميركي أعاد التوازن بين المكونين المدني والعسكري في السلطة الانتقالية
وطالب محامو المدعين عن ضحايا تفجيرات سبتمبر (في وقت سابق) تعويضاً قيمته 7 مليارات دولار، ويبدو أن المبلغ المطلوب حالياً قد يكون قابلاً للتفاوض مجدداً، شريطة وجود ضمانات حقيقية لعدم تعثر المسار الانتقالي، يحققها التشريع الذي جرى تمريره بالتزامن مع تلك المفاوضات.
ويصعب الفصل بين توقيت صدور القانون وبين اتجاه السودان نحو تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا، إذ أكدت موسكو، الثلاثاء، وجود اتفاقية مع الخرطوم حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”.
وأكدت شمائل النور، أن المكون العسكري في مجلس السيادة يلوح بتفعيل الاتفاق ضمن أدوات الضغط التي يستخدمها على الولايات المتحدة في ملف رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، خاصة أنه لا توجد تصريحات سودانية رسمية حاسمة في هذا الأمر.
ونفى رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة السودانية، الفريق ركن محمد عثمان الحسين مؤخرا، وجود اتفاق كامل مع موسكو حول إنشاء القاعدة البحرية على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن “التعاون العسكري بين السودان وروسيا سيكون ممتداً”.
استطاع البرهان، بمشاركة المكون العسكري في مجلس السيادة، تخطي عقبة السلام مع الحركات المسلحة، وأنجز الجزء الأكبر من رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب
وقال الباحث السوداني عزالدين عثمان، إن تخوفات واشنطن تنبع من إمكانية تكرار وقائع أقدمت عليها عناصر محسوبة على الجيش خلال فترة نظام عمر البشير، بعد أن تورطوا في دعم عناصر إرهابية في دول مجاورة، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تهدئة الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي لخدمة مصالحها.
وأوضح لـ”العرب”، أن واشنطن تدعم تفرغ الجيش لمهمته الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الحدود ودمج عناصر الحركات المسلحة وتشكيل جيش قومي بعيداً عن الأيديولوجيات السياسية، بعد أن وجدت أن الحكومة المدنية غير قادرة على إدارة الشركات العامة مع عدم جدية المكون العسكري في تسليمها تلك الشركات.
وعلى السودان حسم جملة من الملفات العالقة، لأن تحريك الضغوط الخارجية وسط توقع تحرك الشارع الأسبوع المقبل، تزامناً مع الذكرى الثانية لأولى المظاهرات التي اندلعت ضد البشير، قد يُجبر الأطراف المختلفة على تقديم تنازلات للحفاظ تماسك الفترة الانتقالية، وتأجيل أي طموحات سياسية بشأن مستقبل الحكم.