صحافيو السودان عالقون في انقسامات ما بعد الثورة
الخرطوم “تاق برس“ – قبل الثورة السودانية، توحّد الصحافيون تحت راية الدفاع عن حرية الصحافة والوقوف صفاً متماسكاً ضد تغول أجهزة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأثروا إلى حد كبير في إبراز المطالب الشعبية. لكن ما إن اكتملت فصول النجاح، حتى انقسموا على أنفسهم.
عام 2008 شكلت مجموعة من الصحافيين جسماً خاصاً للدفاع عن حرية الصحافة، تحت اسم “شبكة الصحافيين السودانيين”، وانضوى تحت لوائها عدد كبير من العاملين في المهنة، ولا سيما بعد تقاعس “الاتحاد العام للصحافيين”، المحسوب على نظام البشير، في القيام بمهامه.
ولم تجد الشبكة التي نظمت وقفات احتجاجية عدة ضد الاعتداءات الأمنية الطريق معبداً بالورود، إذ تعرّض قادتها للاستدعاءات الأمنية، وحُظر نشاطها باعتبارها جسماً غير معترف به.
عام 2018 أسست الشبكة مع تنظيمات نقابية أخرى “تجمع المهنيين السودانيين”، هو الذي قاد لاحقاً الحراك الثوري الذي نجح في إسقاط نظام البشير في إبريل من العام الماضي. وبعدها، بدأت بوادر الخلافات التنظيمية بين الصحافيين.
بعد شهر واحد من إسقاط البشير، عقدت نخبة من الصحافيين جمعية عمومية قررت حل شبكة الصحافيين، وشكلت تنظيماً جديداً باسم “اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحافيين السودانيين”، فيما تمسك قيادات الشبكة بتنظيمها، ورفضت الاعتراف بالجسم الجديد، لتدور معركة بين الجانبين، انتهت بتدخل عميد الصحافة محجوب محمد صالح الذي قاد وساطة انتهت بميلاد لجنة موحدة.
لكن بعد ظهور أسماء المرشحين للجنة التنفيذية، عادت الخلافات إلى النقطة الصفر، ثم برز فريق ثالث تحرك قاعدياً لينشئ “المنصة التأسيسية للجمعية العمومية لنقابة الصحافيين”. أما عشرات الصحافيات، فأسّسن “كيان الصحافيات” الذي بات يتمتع باستقلالية عن بقية الأجسام، في وقت ابتعد فيه الصحافيون المحسوبون على النظام السابق عن العمل النقابي تماماً.
يرى الصحافي السوداني شوق عبد العظيم في الانقسامات حالة طبيعية تعرضت لها كيانات نقابية عدة، وهي واحدة من وجوه الديمقراطية التي بدأت التنظيمات بممارستها بعد 30 عاماً من الحكم الديكتاتوري، ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض الإفرازات، مؤكداً لـ”العربي الجديد” أن الحل في المزيد من الممارسة الراشدة للديمقراطية.
ويوضح عبد العظيم أن للانقسام الحالي في الوسط الصحافي أسباباً أخرى تتعلق بتعريف الصحافي، ويشير إلى أنه خلال العهد السابق حمل كثير من الأشخاص البطاقة الصحافية من دون وجه حق، وأن بعضاً ممن تضررت مصالحهم من الصحافيين المرتبطين بالنظام السابق هم الذين يشعلون الآن نيران الانقسامات، مجدداً التشديد على أن الوحدة ستعود إلى الوسط الصحافي إذا اكتملت أركان العملية الديمقراطية، وانتخبت القواعد قيادتها.
وللصحافي ياسر جبارة رأي مختلف، إذ يرى أن التدخل الحزبي هو الذي أوصل إلى حالة الانقسام تلك، وأن المعركة في حقيقتها المطلقة الآن بين الصحافيين المسيّسين والصحافيين المهنيين. ويوضح جبارة لـ”العربي الجديد” أن لتلك الانقسامات أبعاداً حتى ما قبل الثورة، لكن آثر الكثيرون الصمت مراعاة لظروف المرحلة التي لا تحتمل ومراعاة للهدف الأسمى في التفرغ للدفاع عن الحريات، مشيراً إلى أنه بمجرد نجاح الثورة لزم تعديل الوضع، لذا اجتمع الصحافيون في جمعية عمومية واختاروا ممثليهم في لجنة استرداد النقابة، “لكن يد العبث الحزبي امتدت داخل اللجنة”، مشيراً إلى أن شبكة الصحافيين لم تعد جزءاً من الوسط النقابي، لأنها صارت جزءاً من التحالف الحاكم في السودان، وبالتالي وجودها يُعد تدخلاً إدارياً في الشأن الصحافي.
الصحافي عبود عبد الرحيم يتفق مع جبارة بشأن أثر التوجهات السياسية في العمل النقابي الصحافي، ما قاد إلى تشتت الصحافيين إلى مجموعات، ويعتبر أن استمرار ذلك الانقسام سيفقد السودان وضعه النقابي الإقليمي والدولي، لأن الاتحادات الإقليمية والدولية لا تعترف إلا بنقابة منتخبة من القاعدة. ويشير إلى أن الصحافيين فقدوا دعم وسند اتحاد الصحافيين لهم من الناحية المهنية والاجتماعية والخدمية.
ويلفت الصحافي أحمد حمدان إلى أن الصحافيين، بسبب غياب النقابة، لم يجدوا من يساندهم في حل أزمة تدني مستوى الأجور في السودان، خاصة بعد انهيار قيمة الجنيه السوداني، وافتقدوا التدريب والتأهيل على المرحلة الديمقراطية الحالية، مشيراً إلى أن الممارسة الصحافية الحالية لا تزال تجري بطرق الأداء الصحافي في عهد البشير.
ويوضح حمدان لـ”العربي الجديد” أن سيطرة الأجندة الحزبية على العمل النقابي، بواسطة صحافيين دخلوا المهنة من بوابة السياسية، دفع المهنيين إلى البقاء على مقاعد الحياد وتجاهل أي نشاطات نقابية.
نقلاً عن موقع “العربي الجديد“