سلام السودان “الناقص”.. كيف يتحول لـ”شامل دائم”؟

318

الخرطوم “تاق برس” – لفتت احتجاجات في شرقي السودان ضد “اتفاق جوبا” الأنظار إلى عقبات قد تواجه “اتفاق السلام”، الموقع بين الحكومة السودانية و”الجبهة الثورية”، وهي تضم حركات مسلحة وكيانات من شمال وشرق ووسط البلاد.

وشهدت عاصمة دولة جنوب السودان، السبت، توقيع اتفاق نهائي للسلام بين كل من الحكومة السودانية وممثلين عن حركات مسلحة، بحضور رؤساء دول، وممثلين عن مصر وقطر والإمارات، والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كشهود وضامنين للاتفاق، من دون مشاركة حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور المتمردين.

وأدت احتجاجات شرقي السودان، الرافضة للاتفاق المتعلق بمسار الشرق في عملية السلام، إلى إغلاق الطريق السريع وتعطيل العمل في ميناء بورتسودان، بجانب مقتل ضابط شرطة في مدينة “هيا”، بحسب وزارة الداخلية.

ودفعت الاحتجاجات مجلس الدفاع والأمن (أعلى هيئة أمنية برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان)، الإثنين، إلى الإعلان عن تشكيل لجان لمعالجة قضايا شرق السودان.

كما قرر تكوين لجنة للإعداد لمؤتمر تشاوري دستوري جامع لمواطني شرق السودان بشأن اتفاق سلام جوبا.

ومسار الشرق هو أحد خمس مسارات في اتفاق السلام، ويتضمن مطالب متعلقة بالتنمية والخدمات والموارد والمشاركة في السلطة، ويشبه مساري الشمال والوسط في المفاوضات، ومُثلت فيه كيانات يغلب عليها طابع إقليمي.

وهذه المسارات الثلاث، الشرق والوسط والشمال، تختلف عن مساري ولاية دارفور (غرب) ومسار ولايتي النيل والأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب)، التي تشهد حروبا أدت إلى مقتل ونزوح ملايين الأشخاص، وتم التوصل في جوبا إلى اتفاق سلام بشأنها مع حركات مسلحة.

الوضع الراهن يجعل مراقبين يرون أن العقبات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ستكون أكبر، باعتبار أن الحروب استمرت فيها لسنوات وخلفت خسائر كبيرة.

وشاركت حركتان رئيسيتان من دارفور في اتفاق سلام جوبا، هما حركة تحرير السودان، بقيادة أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، فيما غابت حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور.

وبشأن مسار جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقعت الحركة الشعبية، فيصل مالك عقار، على الاتفاق، بينما غابت الحركة الشعبية، فصيل عبد العزيز الحلو، فالمفاوضات معها متعثرة حتى الآن.

ويشهد إقليم دارفور، منذ 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

وإحلال السلام هو أحد أبرز الملفات على طاولة حكومة عبد الله حمدوك، وهي أول حكومة بالسودان بعد أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل 2019، عمر البشير من الرئاسة (1989-2019)، تحت ضغط احتجاجات مناهضة لحكمه.

“السلام ناقص”

منذ توقيع اتفاق سلام جوبا، فإن العبارة الأكثر ترديدا هي “السلام ناقص”، لغياب أبرز حركتين مسلحتين عن الاتفاق، فهما الأكثر تواجدا على الأرض كقوة عسكرية.

وهما حركة نور، وتقاتل في دارفور وترفض أي تفاوض مع الحكومة، وحركة الحلو، وتتمسك بفصل الدين عن الدولة وتحديد مصير ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في التفاوض.

وأعلنت وساطة دولة جنوب السودان، الأحد، أن تفاوضا سيبدأ مع حركة الحلو، في الأسبوع الثالث من أكتوبر الجاري، بعد أن توقفت المفاوضات في 20 سبتمبر الماضي، فيما لا زالت حركة نور ترفض التفاوض.

ومن دون هاتين الحركتين سيظل السلام منقوصا، لذا تسعى أطراف إقليمية ودولية إلى إلحقاهما باتفاق السلام، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، التي يقيم فيها نور.

وقال أمير عبد الله بابكر، كاتب ومحلل سياسي، للأناضول، إن “اتفاق السلام مع الجبهة الثورية يمثل خطوة إيجابية، لكنها تظل ناقصة، في ظل غياب الحلو ونور”.

وأضاف: “الاتفاق إيجابي في مجمله وتوصل لنتائج جيدة في قضايا كثيرة متعلقة بإزالة المظالم في مناطق الحروب، وتواجد فصائل الجبهة الثورية في الحكومة يمكن أن يزيد مساعي الحكومة الانتقالية بشكل أكبر لتحقيق السلام”.

واستدرك بابكر: “لكن من دون الحلو ونور لا يمكن أن نتحدث عن سلام شامل في السودان”.

غياب الوحدة والانسجام

ظل التشظي وانقسام الحركات المسلحة هو السمة البارزة طيلة سنوات قتالها ضد الحكومة السودانية، وهو ما مثل أحد أبرز معوقات التوصل إلى اتفاق سلام منذ عهد البشير.

وشهدت حركات دارفور انقسامات كثيرة، منذ اندلاع الحرب في الإقليم، فحركة تحرير السودان انقسمت إلى فصيلين، هما تحرير السودان فصيل أركو مناوي، وفيصل عبد الواحد نور.

ولم تتوقف عن هذا الحد، إذ ظهرت عشرات من الحركات المسلحة.

وبعض هذه الحركات وقع اتفاق سلام مع نظام البشير، وأبرزها حركة التحرير والعدالة، التي وقعت على اتفاق سلام دارفور في الدوحة، عام 2011.

وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق شهدت الحركة الشعبية انقساما في 2017 إلى فصيلين، الأول بقيادة عقار، والثاني بقيادة الحلو.

ويحذر مراقبون من أن استمرار انقسامات هذه الحركات المسلحة، التي وقعت اتفاق السلام، يجعلها أقرب إلى الحرب مرة أخرى.

يضاف إلى ذلك غياب الانسجام بين الحركات والكتل الموقعة على اتفاق السلام في “الجبهة الثورية”، وهو ما يزيد من احتمال تعقيد فرص إحلال سلام حقيقي.

وقال إسماعيل حسابو، صحفي سوداني، للأناضول: “سيظل اتفاق السلام هشا، طالما أن الحلو ونور لم يشاركا فيه، فغيابهما يعني عدم تحقيق السلام الشامل”.

وأردف: “الانشقاقات والانقسامات واردة جدا في الحركات المسلحة التي وقعت على الاتفاق، بحيث يتمرد أي قائد ويعود إلى القتال مع مجموعته”.

وتابع: “احتمالات الانشقاق ستزيد أيضا حال لم يبدأ أو يتأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، فهذا وحده كفيل بالعودة إلى الحرب من جانب مجموعات مسلحة منشقة عن الحركات التي وقعت اتفاق السلام”.

وملف “الترتيبات الأمنية”، الذي اتفقت بشأنه الحكومة والحركات المسلحة، يحدد وضعية قوات الحركات المسلحة وأماكن تواجدها وعددها ومراحل دمجها في القوات الحكومية.

نقص الموارد المالية

كذلك تعد الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ اتفاق السلام، وفق مراقبين، أحد أكبر العقبات أمام الاتفاق في ظل ما يعانيه السودان اقتصاديا من ارتفاع التضخم وانهيار العملة الوطنية.

ولا يبدو المجتمع الدولي متحمسا لدفع أموال في ظل الأوضاع العالمية الصعبة، مع تداعيات جائحة “كورونا”.

وف مؤتمر “مجموعة أصدقاء السودان” الثامن، بالرياض في أغسطس الماضي، لم تقدم أية دولة دعما ماليا.

ويحتاج السودان، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين، إلى أموال ضخمة لدعم العملية السلمية، عبر تنفيذ ترتيبات منها ما هو مرتبط بتسريح ودمج قوات الحركات المسلحة، وكذلك تحقيق تنمية في مناطق النزاع.

ورأى بابكر أن “الاهتمام الدولي باتفاق سلام السودان في جوبا قد يساعد في توفير موارد مالية تساهم في إزالة آثار الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وتحقيق تنمية في هذه المناطق حتى يعود النازحون واللاجئون إلى مناطقهم”.

نقلاً عن وكالة أنباء الأناضول

whatsapp
أخبار ذات صلة