دكتور كاستيلو قرنق رينج رئيس الحركة الوطنية بجنوب السودان في حوار شامل عن الراهن السياسي والاقتصادي
*هبوط أسعار النفط التي تعتمد عليها الدول العربية ..أظهرت أنه لا يوجد اقتصاد عربي منعزل عن الاقتصاد العالمي
الارتباط العاطفي يجب ان يتم بتقارب مع الواقع الاقتصادي الذي يتطلب من السودان التوسع افريقيا
*أؤمن بتقوية العلاقات بين دول شرق أفريقيا والدول العربية
*احلم ان ارى السودان في اتحاد دول شرق افريقيا.. ولكن
*مشكلة الاتحادات الاقتصادية والسياسية تتطلب توحيد اللوائح والقوانين
*سلة الغذاء العربي ليست في السودان وحده بل في جنوب السودان
*وجود السودان في اتحاد شرق أفريقيا لن يضر بعلاقاته مع الدول العربية
*من يفكر في شمال السودان من منطلق اقتصادي بحت يعرف أن أسواق السودان المستقبلية في جنوب السودان
نص الحوار:–
*كيف ترى علاقات التعاون بين السودان وجنوب السودان؟
أشباح الليل و الوطاويط يريدون خلق زوبعة وتخريب؛ العلاقات بين البلدين بدأت تأخذ شكلا متقدما كما نراها الآن، والهدف من هذه التحركات هو هدم ما تم انجازه بنجاح؛ و ما حدث أخيراً في بعض مناطق الالتماس يهدف إلى البلدين الى العصور السوداء التي يعتبر فيها خط السكك الحديدية من بابنوسة الى واو ليس كخط تنمية و تواصل بين الشمال والجنوب بل( خط الموت) كما كان يسميه الاعلام الغربي؛ وكان خط سكك الحديد ياتي بامراء الحرب و مليشياتهم من محاور عديدة الى الجنوب الذي كان يعتبر خارج نطاق حماية الدولة السودانية؛ وما اريد تأكيد هو أن جنوب السودان يمثل السوق المستقبلي للصناعات السودانية المحلية؛ برغم من أن انهيار الصناعات الخفيفة في السودان نسبة لمقاطعة الدول الغربية وتفشي الفساد والأحوال السياسية التي لم تكن مطمئنة لفترة طويلة ،فالصناعات السودانية لا يمكنها أن تنافس في دول الشمال والشرق العربية ولكنها مقبولة في جنوب السودان لأنها معروفة؛ فمن يفكر في الشمال من منطلق اقتصادي بحت يعرف أن أسواق السودان المستقبلية في جنوب السودان والدول الافريقية المجاورة له؛ولذلك محاولة الزج مجددا في متاهات الحروب المحلية وعدم الاستقرار كما رأيناه اخيرا في مناطق الميرم لن يفيد الجنوب و الشمال معا.
*هل يمكن تطبيق الحريات الأربع في ظل اللوائح والقوانين في اتحاد شرق أفريقيا ؟
الحريات الأربع لابد أن تؤسس لها قواعد تتماشى مع وجود دولة جنوب السودان؛ في اتحاد شرق أفريقيا لتسهيل وضبط العلاقات المستقبلية بين السودان وكل دول اتحاد شرق افريقيا. لأن البضائع و الصناعات السودانية التي تأتي عبر الحدود لداخل الجنوب تكون قد دخلت منطقيا داخل حدود شرق أفريقيا؛ وربما يكون من الأفضل أن تكون للشركات السودانية المنتجة (وجود فعلي في جنوب السودان لكي تتحرك دون معاكسات في الفدرالية الشرق افريقية المستقبلية ،ولذا ارى من الافضل ان يكون السودان جزء من هذه التركيبة؛ وليس من مصلحة احد خلق أزمة عدم الاستقرار مجددا في المناطق الحدودية في غرب كردفان وشمال بحر الغزال و ولاية الوحدة واعالي النيل؛ إذا لم تستقر العلاقات بين البلدين في مناطق التماس فلن تستقر في الخرطوم وجوبا وحدها كما يجب ان نجد حلا دائما لقضية ابيي التي تشكل شوكة في هذه العلاقات الواعدة ، والتي ربما ستصبح احسن حتى من زمن السودان الواحد.
*كيف تتصور مستقبل هذه العلاقات؟
احلم ان أرى السودان في اتحاد شرق أفريقيا لانه سيكون من الصعب مستقبلا تطوير العلاقات الاقتصادية الى ابعد الحدود بين الدولتين والسودان خارج اتحاد شرق أفريقيا والجنوب داخلة ، فجنوب السودان سيكون مرتبط بلوائح واتفاقيات اتحاد شرق أفريقيا والتي غالبا تعيقه لخلق علاقات اقتصادية عميقة جانبيا والسودان خارج ذلك الاتحاد.
*ولكن السودان مرتبط عاطفيا بالعالم العربي كما يقال في السودان؟
الارتباط العاطفي يجب أن يتم بتقارب مع الواقع الاقتصادي الذي يتطلب من السودان التوسع أفريقيا ، العلاقات القومية لم تعود أساس العلاقات الدولية اليوم؛ فكون العرب عربا في الدول العربية لم تمنع الحرب في اليمن وليبيا وسوريا، والعراق، والاتحاد بين الدول جغرافيا هي الاكثر قبولا اليوم عالميا ،وليس الاتحاد الاثني او القومي. فمثلا نتحدث عن الاتحاد الأوربي ولا نتحدث عن اتحاد (الشعوب الالمانية) بين النمسا وألمانيا وأجزاء كبيرة عن سويسرا وأكثر من 60% من سكان سويسرا من أصول ألمانيا إذا قامت ألمانيا وسويسرا والنمسا بمثل هذا الاتحاد فسيعتبر في أوروبا اتحادا عنصريا وسيجد الرفض من الأوروبيين الآخرين وحتى من الأمريكان لأنه سيعيد ذكريات الحروب العالمية الثانية ومحاولة هيمنة ألمانيا على العالم.
*هل يمكن للسودان ان يدخل في اتحاد اقتصادي عربي؟
هبوط أسعار النفط التي تعتمد عليها الدول العربية الغنية اظهرت بأنه لا يوجد اقتصاد عربي منعزل عن الاقتصاد العالمي ، فتكامل الاقتصاد اصبح اليوم لا يمكن التخلي عنه وصناعات السودانية لن تستطيع التنافس في الدول العربية كمصر مثلا؛ اما منتجات الزراعية السودانية والمنتجات الطبيعية مثل الصمغ العربي والمعادن مثل الذهب مطلوبة عالميا يمكنها التنافس دون الحاجة الى ذكر المصدر القومي او الاثني، ولقد رأينا أثناء الحرب الأهلية بأن كتير من الدول العربية وقفت الى جانب شمال السودان على اساس فهم خاطي وهو بأن الجنوبيين يكرهون العرب والإسلام واستخدمت هذه الدعاية ليس لخدمة الإسلام والعروبة فالمدير الإقليمي لمنظمة الدعوة الإسلامية في جوبا دكتور رينج رينج لوال هو الأخ الذي يليني مباشرة وهو مسلم معروف يصوم حتى مرتان في الأسبوع منذ أكثر من عشرين عاما ولدينا قيادات إسلامية مرموقة في جنوب السودان فكيف يقال للعرب بأننا نكره الإسلام ونقتل المسلمين في جنوب السودان هذا متاهات سياسية لا علاقة لها بالدين؛ مصلحة الصناعات السودانية البسيطة لا تستطيع المنافسة عالميا ولكنها مقبولة في أفريقيا وخاصة جنوب السودان و وجود السودان في اتحاد شرق أفريقيا يجنبنا مشاكل التي حدثت بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بقضية ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا.
*ألا ترى مستقبلا واعدا اقتصاديا وسياسيا في علاقات اتحاد شرق أفريقيا والدول العربية ؟
انا أؤمن إيمانا تاما بتقوية العلاقات ليس بين اتحاد دول شرق أفريقيا والدول العربية وحده بل في علاقات الدول العربية كلها والدول الإفريقية عموما طالما بعض الدول العربية ذوي الوزن الثقيل سكانيا واقتصاديا هي أفريقيا في الأساس. برغم أن العرب يعطون الانتماء القومي العربي وزنا كبيرا ،إلا أنهم على الأقل نصفهم أفارقة لأن (جدة العرب) أم سيدنا اسماعيل ،السيدة هاجر هي( افريقية) من مصر ، فوجود السودان في اتحاد شرق أفريقيا لن يضر بعلاقاته مع الدول العربية الصديقة إلا إذا تحولت جامعة الدول العربية الى اتحاد اقتصادي سياسي مثل الاتحاد الأوربي، والذي لا يلوح في الأفق في الوقت الحاضر ، فمشكلة الاتحادات السياسية والاقتصادية تتطلب توحيد اللوائح والقوانين وحتى النظام السياسي ،والذي لم يكن من السهل تنفيذه في جامعة الدول العربية نسبة لوجود انظمة تمتد من جمهوريات الى ممالك ،وقضية توحيد اللوائح والقوانين في الاتحاد الاقتصادي كانت ستواجهنا لو أصبح السودان دولة إسلامية وطبق الشريعية بكل أظافرها؛ فان العرب أقرب إلى الأفارقة من ما يظنه البعض اما اذا نظرنا الى الأمر دينيا إسلاميا بحتا فمن وجهة نظر المسلمين أنفسهم اهم من الانتماء الاثني القومي ،فالإسلام منتشر في أفريقيا كما نرى في نيجيريا وحتى في كينيا و الصومال وإثيوبيا وتنزانيا والإسلام موجود أيضا في جنوب السودان والعرب بامكانياتهم الاقتصادي يمكنهم لعب دورا هاما في تنمية أفريقيا والذي سيعود لهم أيضا بالمنفعة الكبيرة ،فالاراضي الإفريقية لا ذالت بكرا وهي خصبة كما يوجد في جنوب السودان معادن ثمينة وكثير منها لم يكتشف بعد؛ فسلة الغذاء العربي ليس في السودان وحده بل في جنوب السودان وأفريقيا أيضا ربما كل ما يريده العرب هي القوانين والدول التي تحمي مصالحهم الاستثمارية، فبدلا من أن يستغل الصين والدول الغربية الإمكانيات الإفريقية فلما لا يساهم الجيران في التنمية والاستقرار .