ضياء الدين بلال … الى فيصل محمد صالح : (للعلم وزيادة)! !
١-
في وقت تزاحم الأسماء أمام بوابة وزارة اﻹعلام لاختيار وزير لها في الحكومة الانتقالية.
كتبت على صفحتي بالفيسبوك أن اﻷستاذ فيصل محمد صالح هو أفضل الخيارات لتولي المنصب.
كان ظني أنه ابن سرحة الإعلام ،دراسة وعملا وتدريسا لناشئة الصحفيين.
كما أن فيصل -الذي كنت أعرفه- كان رجل خلوق وصدوق وعقلاني، وغير متطرف في مواقفه.
فرغم انتمائه الفكري الناصري ،فقد عمل في ظل نظام مايو الى سقوطه .
وأصبح رئيس تحرير لصحيفة رجل اﻷعمال السيد صلاح إدريس في عهد الإنقاذ ، وكان الرجل الثاني في مؤسسة إعلامية تتعامل-دون حرج- مع أجهزة النظام السابق حتى الجيش وجهاز الأمن.
ظل فيصل يشارك في أنشطة المؤتمر الوطني بعقر داره، ويتعاون مع مجلس الصحافة واتحاد الصحفيين.
كان ضيفا ثابتا بقناة النيل الأزرق والسودان وحتى القنوات الولائية، يحرك مؤشر إفاداته في اتجاه الممكن والمتاح!
-٢-
ظني أن رجلا بهذه الخلفية المتوازنة، سيكون معصوما من التطرف و المزايدة على الزملاء على شاكلة بعض الصبية من الناشطين الغر!
كانت تلك الظنون الحسان ، تقارب القناعات ولكن ما إن تم تعيينه وزيرا للإعلام تبدل الحال وتغير اللسان وتبين لأهل المهنة أن ما كان يرونه في فيصل جمالا ونضارا ليس سوى مساحيق للتجمل تزيلها المياه الفاترة وحبيبات العرق!
-٣-
قبل أقل من ٢٤ساعة من إغلاق صحيفة السوداني بدوشكات الدعم السريع ،جمعني عزاء الراحل المقيم الأستاذ فضل الله محمد بوزير الإعلام.
لاحظ فيصل أنني كنت أتجنب الجلوس معه والحديث إليه على غير عادتي ،فقد كنت حفيا به في كل مجلس.
وعند الخروج من منزل العزاء جاءني فيصل هاشا باشا كعادته وكنت وسط مجموعة من الزملاء.
قال لي يا ضياء نحن أصدقاء ما حقو الخلافات العامة تؤثر على علاقتنا الشخصية ، هسه نحن بنتعامل معكم زي النظام السابق؟! صادرناكم ولا اعتقلناكم؟).
كان ردي عليه : لا أجد فرقا بينكم والنظام السابق في سوء التعامل مع الصحف.
انتفض فيصل مدافعا عن دور وزارته ، قلت له : عليك مراجعة تصريحات وكيل الوزارة لصحيفة التيار، حيث هدد الصحف باستخدام العصا الغليظة عبر العقوبات باستخدام أسلحة اﻹعلان وغيرها من أدوات صدئة ورثها الرشيد من سابقين!
تواصل النقاش بيننا من توتر إلى صفاء ،وعاد فيصل(الزول الوناس واللطيف ) وتبادلنا الضحكات!
وذهب كل منا إلى حال سبيله ، وفي نهار اليوم الثاني تم الاعتداء الغاشم على (السوداني) وأغلقت أبوابها بالدوشكات!
نعم، كانت ابتسامات الليل غطاء لخناجر النهار!
-٤-
وعندما كان فيصل يبرر للقرارات في الصحف ، كنت أرسل له عبارات العتاب وأسدد النقد لوكيله ،فهو صريح العداء مع بعض الخبث السياسي!
ظل فيصل يتحدث بأن الصحف لن تعاود الصدور إلا بعد حسم النزاع حول الملكية ،ويتجنب الإجابة عن أي سؤال يخص إغلاق (السوداني) بالتزام الحياد الصامت!
وعندما عادت الصحيفة كما تريد، واحتفى بها القراء وأهل المهنة إذا بفيصل يخرج عن صمته بتصريحات غريبة ومضحكة.
في حوار معه بتلفزيون السودان قال إن وزارة الإعلام لا علاقة لها بإيقاف (السوداني) وأنها لم تكن ضمن الملف الذي رفع للجنة التمكين، واضاف : (في ذلك لا أجامل جمال ولا ضياء).
قلت لأصدقاء مشتركين “ليس من الشجاعة والمروة أن يكتم الوزير شهادته تلك أيام الإغلاق والتعسف في التعامل مع السوداني، ثم يأتي ليقدمها -منتهية الصلاحية عديمة الجدوى -بعد معاودة الصدور.
كان علي أن أهدي إليه، كما أهدى لي من قبل، مقولة مارتن لوثر كينغ :(أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة).
-٥-
لا أريد أن أصف فيصل بالكذب ولكن أعزائي القراء أترك لكم الحكم على هذه التصريحات:
في الحوار التلفزيوني آنف الذكر ،قال فيصل إنهم في الوزارة قاموا برفع ملف أجهزة الإعلام للجنة التمكين ولم تكن من ضمنها (السوداني).
وفي ذات السياق ذكر عضو لجنة التمكين صلاح مناع لموقع كنداكة نيوز أن كل الملفات التي تنظر فيها اللجنة تأتي من الوزارات المختصة، وأشار بالاسم لوزارة الإعلام!
في رده على ما كتبت عن إقالة الجنرال حسن فضل المولى ،تنكر فيصل لحديثه وقال ان لجنة التفكيك مستقلة عن الوزارات!
ونفى وجود علاقة لهم بقراراتها ولا تقديم المعلومات وقال إن اللجنة فقط يمكن ان تستشار!
هذا تناقض واضح وجلي، لا يحتاج إلى نظارات مكبرة، تناقض في الروايات واضطراب في السياقات، وترنح بين نفي وإثبات!
-٦-
وقبل ذلك وعلى صعيد مختلف ،لكنه يقدح في مصداقية الوزير، أسفت جدا لتبني الوزير فيصل لرواية ثبت بالشهادات المتعددة والمتواترة عدم صحتها.
تلك الرواية التي جاءت على لسان وزير اﻹعلام لتنفي علم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بلقاء البرهان ونتنياهو في عنتبي!
كنت أتوقع أن يخرج الوزير مدافعا عن مصداقيته، أمام تلك التصريحات الداحضة لزعمه والمكذبة ﻷقواله!
ولكنه صمت كما فعل من قبل في موقف كان يتطلب منه الحديث، لعله ينتظر وقتا مناسبا آخر للقول الآمن من التبعات!
-أخيرا-
طال الحديث وضاقت مساحة العمود ولم نلج في صميم الرد على تعقيب الوزير وتهديده لي ،وسنعود غدا بإذنه تعالى لنثبت لصديقنا القديم أن الضمائر باتت في زمن مخادع ،تباع مع خردة قطع الغيار ،بعد طليها ودهانها وتغيير شهادة المصنع!
نواصل