موازنة 2020 جدلية الإقتصاد والساسة …

787

بعد جدل كبير بين وزير المالية وقوى الحرية والتغيير تمت إجازة موازنة العام 2020 في مجلس الوزراء وذلك بعد نقاش عميق لجذور الازمة الاقتصاديةوأهمها قضية الدعم المطلق للمواد البترولية( البنزين) وبالرغم من هشاشة الاوضاع الاقتصادية لكن يجب ان يدرك المواطن السوداني أن الدعم غير المباشر للبنزين في حقيقتة يذهب لغير المستحقيين له ويساهم بشكل سلبي في مسألة سعر الصرف للعملة الوطنية بل ويعتبر ضرب من ضروب الفساد لانه تبديد للموارد كما يحرم الاقتصاد السوداني والعملية الإنتاجية من التمويل الدولي ويزيد من صعوبة تقليل خط الفقر للشعب السوداني، لانه يساوي بين الفقير والغني! في الوقت الذي تفرض فيه دول عظمي ضرائب على الأغنياء فكيف للساسة مغازلة الشعب بدفوعات واهية ولا تمت لواقع الأرقام بإي صلة وأن يطالبو حكومتهم أن تدعم الأغنياء والفقراء على حد سواء؟ السؤال هنا اين العدالة التي نادت بها الثورة!

أيضاً المدهش أن غالب الرأي من الحاضنة السياسية للحكومة (قوى الحرية والتغيير ) والناشطيين يطالبون الحكومة بضرورة الإبقاء على إستمرار الدعم مع العلم أن السودان وفقا لموقع أسعار البترول العالمي يحتل الموقع الثالت من حيث ترتيب الدول الاقل لسعر البنزين وفق المؤشر العالمي بعد دولتي فنزويلا وايران وأن سعر لتر البنزين في السودان يساوي 0.16 دولار مقارنة بسعر اللتر العالمي 1.11 دولار أمريكي اي ان سعر اللتر للبنزين يساوي فقط مبلغ 6.18 جنيه سوداني بينما يساوي سعر جالون البنزين مبلغ 28 جنيه سوداني وهذا أقل من سعر( علبة سجائر ماركة برنجي ) وذلك مع التجاهل التام الي أن هذا الدعم تستفيد منه بخلاف فئة الأغنياء كل البعثات الدبلوماسية وكذلك يعتبر سوق جاذب لتشجيع عملية التهريب لان فروقات الاسعار لدول الجوار عالية مع الاخذ في الحسبان من الصعوبة جدا لدولة شاسعة مثل السودان أن تضبط كل الحدود فما هو المنطق في أن يدعم المواطن السوداني أقتصادات دول هي في الحقيقة وضعها الاقتصادي أفضل.

الساسة حجتهم أن خطوة كهذه سوف تساهم من زيادة مستوي الاسعار وتزيد جحيم الحياة للسودانيين وهذه حقائق ولها تأثيرات ولكن يمكن تحجيمها كما انها مؤقتة في المدي القريب وتستقرأ في إطار تقييم سياسي قصير النظر تحسب الكلفة السياسية وحالة الرضا والسخط الشعبي للحكومة ، وتغض النظر تماماً عن الجانب العلمي بتحجيم الاقتصاد الكلي وحرمان مجالات مهمة من هذه الموارد وهذا ما تراه كابينة قيادة لها دراية كبيرة وتجارب دولية ثرة في دهاليز الاقتصاد وشوون التنمية برئاسة دكتور حمدوك ودكتور البدوي.

هذا كله مع أن الحكومة لم تقم بإلغاء الدعم عن سلعة البنزين وانما تحريك تدريجي لصالح قطاعات التعلىم والصحة والرعاية الاجتماعية وزيادة الحد الادني للإجور وإستحداث صندوق وطني لتمويل عملية السلام والمناطق المتأثرة بالحرب وهذا تأسيس إقتصادنا الوطني نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفي تقديري انه كان يجب رفع الدعم عن البنزين بشكل كامل لصالح سلع رئيسية تهم المواطنين محدودي الدخل والشرائح الضعيفة خارج دائرة العامليين في الدولة وذلك وفق خطط هي الأجدى ان تكون محل نقاش موضوعي لمركزية خبراء الحرية والتغيير والناشطيين في العمل العام تتعلق بتخفيف الآثار السلبية لتحريك الدعم الكامل عن البنزين مثل ضرورة ايجاد حلول لمشكلة المواصلات، وضبط ومراقبة السوق، وتقليل الصرف الحكومي وموضوع تحريك دعم البنزين لديه إرتباط قوى بعملية ترشيد النفقات الحكومية فيما يخص منصرفات تسيير السيارات الحكومية التي تستخدم البنزين والتي أشك في ان مركزية الحرية والتغيير تمتلك ارقام بعددها او نسبة إستهلاكها الحقيقي وهذا بالطبع يقودنا الي ضرورة توحيد جسم إداري لمشتريات الاصول الحكومية وفق دراسات دقيقة من حيث تكاليف تشغيلها والحوجة لها ، وكذلك إعتماد بطاقات تموين من خلال التعاونيات والدعم التكافلي المجتمعي وغيرها من الوسائل … الخ.

أما بالنسبة لمسألة الجازوليين فيجب على الحكومة الإبقاء على دعم الجازوليين وعدم تحريك الدعم ولو بالتدريج مع العمل على تصنيف السيارات الخاصة حسب سعة إستخدامها للجازوليين ( ذات الطبيعة غير التجارية ) وزيادة فرض رسوم علىها عند إجراءات الترخيص الاستيراد لصالح دعم إيرادات الموازنة العامة للدولة ، وذلك لأن الجازوليين عكس البنزين لإرتباطه المباشر في كل عمليات نقل البضائع والسلع وحركة الانتاج بل وعدم التفكير في فعل كهذا في الفترة الانتقالية حتى يتم إستحداث البدائل لذلك مثل العمل على تطوير قطاع نظام السكة حديد كوسيلة نقل منخفضة وتم تصميمها منذ تأسيسها لهذا الهدف اي ربط مناطق الانتاج بالاسواق والتصدير وكذلك العمل على تفعيل أنظمة الري للزراعة في المشاريع عبر الطاقات المتجددة البديلة للوقود.

لذلك فعلى خبراء الاقتصاد في قوى الحرية والتغيير التي قادت الحراك الثوري بجدارة وجنبت بلادنا سيناريوهات كارثية، أن تقدم البديل الموضوعي والعلمي لحكومتها وليس بيانات الرفض والادانة للموازنة في الهواء الطلق على شاكلة أن الموازنة لا تعبر عن الثورة؟ مع العلم ان هنالك فرق كبير بين إدارة الثورة وإدارة الحكم؟ والحكومة تعبر عن الثورة عندما تكون واضحة وشفافة مع شعبها وليس بيع الوهم والعلاج بالمسكنات كما كان يفعل النظام البائد.
محمد أبشر

whatsapp
أخبار ذات صلة