محجوب عروة .. وهم الشهادة السودانية!!
تعرض السيد/ وزير التربية والتعليم الاتحادي لهجوم من بعض المراقبين لأنه قد شكك في صحة نتائج الشهادة الثانوية السودانية خلال عهد الإنقاذ…. و ينطلق معظم هذا الهجوم من مستودع الأوهام الموجودة في ذهن البعض و من ضمن تلك الأوهام أن الشهادة الثانوية السودانية عظيمة و لها سمعتها العالمية و إن حديث السيد/ الوزير قد أضر بسمعتها ….. إلخ.
و مع احترامي و تقديري لكل من يعتقد إن حديث السيد/ الوزير لم يكن موفقاً أعتقد على العكس إنه حديث صحيح و سليم و في الوقت المناسب…. و أفصل وجهة نظري الشخصية في النقاط التالية:-
أولاً:-كيف يمكن أن نفهم منطقياً أن الشهادة الثانوية عظيمة و عالمية كما ذكر البعض و عناصر العملية التعليمية جميعها منهارة تماماً….. بيئة تعليمية بائسة …. معلم في وضع وظيفي و راتبي و مهني محزن يجعله داخل فئة الفقراء و يعاني الكثير فقط لكي يعيش…… مناهج متخلفة…. أساليب تدريس تقوم على حشو عقول التلاميذ بكم هائل من المعلومات…. إذا كان هذا هو واقع التعليم العام فكيف تكون الشهادة الثانوية السودانية التي تبلور كامل مرحلة التعليم العام عظيمة و عالمية؟
ثانياً:- إذا نظرنا إلى مخرجات الشهادة الثانوية السودانية فسنجد إنها تحت الصفر …. فهل التلميذ الذي أكمل المرحلة الثانوية و حصل على الشهادة الثانوية السودانية يمكن أن يكون مواطناً مفيداً في أي مجال من مجالات العمل كما كان قبل نصف قرن مثلاً…. بل أكثر من ذلك راجعوا مستوى طلاب الجامعات الحكومية و الخاصة الذين نجحوا في الشهادة الثانوية …. بل راجعوا مستوى خريجي الجامعات في جميع المجالات …. التعليم العام يا سادتي هو الأساس فإذا كان جيداً و متقدماً فإن مخرجات التعليم العالي ستكون جيدة و متقدمة.
ثالثاً:- إن حجة إن هناك خريجي جامعات سودانية متميزون و أثبتوا كفاءة خارج السودان في دول العالم المختلفة لا يعتبر دليلاً على جودة الشهادة الثانوية السودانية و تميزها لأن التعليم الكمي الذي يعتمد على التوسع العددي في التعليم دون الاهتمام بالجودة يقوم على نظرية شمولية عتيقة في التعليم…. و مضمون هذه النظرية الشمولية في التعليم هو أن تتوسع في التعليم دون الاهتمام بالجودة و تلقائياً سيكون لديك حوالى 10% عشرة بالمائة تلاميذ متميزين…. و هذا صحيح فمثلاً إذا نجح في إمتحان الشهادة السودانية ثلاثمائة ألف طالب فهناك ثلاثون ألف طالب سيتميزون بسبب قدراتهم الشخصية و رغبتهم و استعدادهم الشخصي….. و لكن في ظل دولة مواطنة ديمقراطية المطلوب هو التعليم النوعي الذي يهتم بجودة التعليم العام و يحرص على تنمية قدرات جميع التلاميذ بنسبة 100% ليس فقط 10%…. و هذا هو التعليم المرتبط بأهداف التنمية الشاملة و ليس التعليم العشوائي المظهري الذي يضيف إلى قائمة إنجازات النظام الحاكم أرقاماً مجردة ليس لها قيمة تنموية ….فماذا استفادت البلاد تنموياً من زيادة الإنقاذ لعدد تلاميذ المدارس و عدد طلاب الجامعات طوال ثلاثة عقود؟
رابعاً:- لقد إندهشت كثيراً لحديث السيد/ مدير الإمتحانات بوزارة التربية و التعليم الذي طالب بتنحية الوزير أو تقديم استقالته…. و إذا كان هناك ما يلام عليه السيد / الوزير هو عدم الاستغناء عن خدمات هذا الرجل الذي ظل مديراً للإمتحانات لأكثر من عشر سنوات و عايش كل أوجه القصور في الشهادة الثانوية السودانية …. فالتدخل في نتائخ الشهادة كان يبدأ من داخل قاعات التصحيح و الطلب من المصححين التجاوز لتحسين النتيجة …بالإضافة إلى النتيجة النهائية التي كانت تقدم لرئاسة الجمهورية بنسبة نجاج 30%أو أقل و تعود بتوجيه بتحسين النسبة حتى تصل إلى 70%…. و المعلمون الشرفاء و ليس بقايا حزب المؤتمر الوطني و الموالين له يعلمون تفاصيل كل ذلك.
خامساً:- على عكس ما ذكر السيد / مدير الإمتحانات فجلوس بعض التلاميذ الأجانب من الدول المجاورة لإمتحان الشهادة السودانية ليس لجودة الشهادة السودانية و عظمتها و إنما لأن النجاح فيها سهل للغاية بقوة الدفع السياسي لنسبة النجاح…. فلماذا لم يحدث هذا الإقبال الأجنبي على الشهادة السودانية في السبعينات من القرن الماضي و ما قبل ذلك؟
خلاصة ما أود أن أقوله في هذا المقال هي إن أهل الإنقاذ قد دمروا جميع القطاعات و قطاع التعليم العام ليس إستثناءً و الشهادة الثانوية السودانية أيضاً ليست إستثناءً …. و ما قاله السيد / وزير التربية والتعليم قليل من كثير يمكن أن يقال و نناشده أن يواصل في مسيرة إعادة هيكلة الوزارة و كشف كل ما كان يحدث خلال فترة الإنقاذ و يضع التعليم العام في مساره الصحيح لأنه هو المدخل الرئيسي لإنجاز عملية التنمية الشاملة.