ضياء الدين بلال.. وزارة الصحة (مكائد وحفر)!!

521

-1-
من المُستغرب أن يكون الحقل الطبي، هو أهمُّ مراكز الاحتجاجات الجارية الآن.

وليس مُدهشاً أو مُثيراً للعجب، أن يكون إضراب الأطباء – رغم رأينا في عدم أخلاقيته وإنسانيته – هو الإضراب الذي حقَّق نسبة النجاح الأكبر، بل هو الوحيد الذي حصل على نسبة استجابة لم تتحقَّق في أيِّ قطاع آخر.

بالتأمُّل والمُراقبة، نجد أن أغلب من تولُّوا أمر هذا القطاع الحيوي منذ بدايات الإنقاذ إلى اليوم، شغلتهم الصراعات الداخلية عن ترقية الأوضاع وتحسين شروط الخدمة وبيئتها.

لذلك تراكم الغيظ واتَّسع الفتق، وتمدَّدت مساحة السخط، وتكوَّن جراء ذلك رأيٌ عامٌّ مهنيٌّ شبه مُوحَّد داخل الحقل الصحي مُضاد للحكومة.
تستحقُّ وزارة الصحة وصفها بالوزارة الصراعية الأولى في كُلِّ حقب الإنقاذ. الصراعات الدائرة داخلها لا يُوجد لها مثيلٌ في الوزارات الأخرى، من حيث الشراسة والاستمرار، والمكائد والحفر المُتبادل، حتى أصبحت الوزارة (حفرةً كبيرة)!

لا ينتهي الصراع في الوزارة، إلا ليبتدئ من جديد، ولا يخبو إلا ليشتعل مرَّة أُخرى، صراع مراكز القوى ومجموعات المصالح، بعضها ظاهر وأغلبها خفيٌّ يُمسِكُ بالخيوط من وراء ستار!

-2-

تُدار الصِّراعات في وزارة الصحة بلا أخلاق ولا مبادئ ولا خطوط حمراء، تحمي صحة المواطن، أو على الأقل تُراعيها (أثناء الدُّواس)!

حروبٌ تُستخدم فيها أدوات غير مُعقَّمة، مُلوَّثة بالمصالح والأجندات الذاتية.
حرب داحس والغبراء، داخل الوزارة المعنيَّة بحياة المواطن، في أشدِّ لحظات ضعفه، استمرَّت مُتجدِّدةً لأكثر من عشرين عاماً.
تختلف المواضيع والقضايا والواجهات، ولكنها تتَّفق في مُشترك دائم، وهو الصراع التاريخي لمراكز القوى المُتنافسة على المصالح داخل الوزارة أو حولها.

-3-

قبل عشرين عاماً، كنا نحبو في بلاط صاحبة الجلالة، ونتابع باهتمامٍ وشغفٍ ما عُرِفَ وقتها بأزمة محاليل كور.

القضية التي ملأت دنيا الإعلام والسياسة والبرلمان وشغلت الناس وقتذاك. كانت كور تلك الشركة الهندية هي المُصدِّر والمُورِّد الوحيد للمحاليل الوريدية في تسعينيات القرن الماضي لهيئة الإمدادات الطبية.

حدث ذات مرَّة اشتباهٌ في محاليل وريدية تابعة لها، وقيل إن بعضها مُلوَّث.

موضوع علمي وفني مُحدَّد، تحكمه قواعد وقوانين وأعراف ومعامل، لكنه تحوَّل داخل وزارة الصحة إلى صراعات مصالح وتكتُّلات ومواقف شخصية (مع وضد)، وعكٍّ نظريٍّ و”طق حنك”!

بعد سنواتٍ من تلك المعركة الضروس نشبت معركةٌ أخرى حول دواء السودفان، وخاض فيها الخائضون بذات الأدوات الصَّدئة، وتربَّح منها الرابحون!

في مثل تلك المعارك، لا مكان للعلم ولا للحياد الأخلاقي في القضايا الفنية والعلمية، ولا مرجعيات حاسمة يُركن إليها حال الاختلاف.

للأسف، عددٌ من الأقلام والصحف كانت وما زال بعضها مُتورِّطاً ووالغاً في تلك الصراعات لمصلحة مُتحقِّقة أو انحياز مُسبق، بعضها ظلَّ يمثل أذرعاً إعلامية – لا يُستغنى عنها – لمراكز القوى داخل الحقل الصحي.
-4-

اطَّلعت قبل فترة على مُلخَّص دراسة علمية دقيقة، نُشرِتْ في المجلة الطبية العالمية عن تأثير الصحف على القرارات الصحية.

طبّقت الدراسة على قضية محاليل كور في مُستهلِّ الألفية الثالثة، باعتبارها القضية الأشهر بما وجدَتْ من تغطية إعلامية تجاوزت كتابة 310 مواد صحفية!

الملاحظة المُثيرة للاشتباه، التي وردت في تلك الدراسة العلمية: (تشابهت، بل تطابقت الآراء المُتواترة المُؤيِّدة والمُعارِضة الواردة في كُلِّ أو مُعظم المقالات التي نُشِرَتْ في الفترة المذكورة آنفاً. ولسبب غير معلوم وُجد أن عدد تلك المقالات بلغ أقصاه في منتصف أعوام 1999م و2000م و2001م (وتحديداً في شهور مايو ويونيو ويوليو)، غير أن ما هو جديرٌ بالذكر أن تلك الشهور هي الشهور ذاتها التي تُعلن فيها “هيئة الإمدادات الطبية” عن المناقصات السنوية لاستيراد الأدوية من الخارج)!

مع ذلك الضجيج، سُحِبَتْ المحاليل من المستشفيات وأُغلق الملفُّ بصورة مُريبة!

ولم يُحسم إلى الآن، بعد مرور عشرين عاماً، ما إذا كانت المحاليل هي المُلوَّثة أم النفوس؟!!

-5-

انتهى قبل أشهر قليلة الخلاف داخل وزارة الصحة، بين الوزير أبو زيد والوكيل دكتور عصام، بخروج الأول ونقل الثاني، ثم إعفائه.

أمس ارتدى وكيل وزارة الصحة دكتور بابكر جابر كبلو، بزَّته العسكرية، وذهب بحراسته الكاملة إلى المجلس القومي للأدوية والسموم.

ومن هناك أعلن – دون موسيقى عسكرية – إيقاف الدكتور الزين الفحل، الأمين العام للمجلس عن العمل، لحين صدور قرار من الرئيس!

ورئيس الوزراء السيد محمد طاهر إيلا، تلقَّى استقالة مُسبَّبة من الدكتور جمال خلف الله مدير الإمدادات الطبية، لم تمر 24 ساعة على تقديمها حتى أصدر إيلا على نحو مفاجئ قراراً بإعفائه!

-ختاماً-

لن ينصلح حال الدولة وتُشفى من عللها وتلك الحفرة بوزارة الصحة تمثل أكبر حاضنة وأوسع مرتع لجراثيم الصراع والفساد.

 

whatsapp
أخبار ذات صلة