صلاح الدين عووضه ..إنجاز سهى !
إنجاز سهى !
هي بنت دلوعة..
وهو عكسها تماماً ؛ عجنته الحياة…وخبزته…وأخرجته إلى الحياة بشراً سويا..
أو فلنقل: أخرجته بشراً ساخناً…وطازجاً..
وكان يحب كل ما هو ساخن – وطازج – من الأطعمة البلدية ذات الطبخ الجيد..
وحين طلب الزواج منها قالت إنه بلدي..
غير أن أهلها أُعجبوا به…وضغطوا عليها…وانتزعوا – بالقوة – موافقةً منها..
وكان أشبه بانتزاع الاعترافات في سجون بشار..
وعند الفراغ من شهر العسل انتبه إلى أن معدته المسكينة ستظل فارغةً مما يحب..
فهي لا تجيد حتى قلي البيض..
وسرعان ما ابتعث إليها أهلها خبيرات في فن الطهي ما أن تذمر العريس أمامهم..
فهو ممتلئ الجيب…ومن حقه أن تتمتلئ معدته..
بينما هي لم تكمل تعليمها…وأخذت تملأ فراغها الزمني بكل فارغٍ من الأمور..
ومنها الانشغال بالواتساب طوال اليوم..
وذات يوم عاد زوجها من عمله فسمع صياحاً داخل داره مصحوباً بزغاريد..
فقد أنجزت سهى أخيراً ؛ وطبخت بامية..
ووثقت لإنجازها هذا صوتاً – وصورةً – وبثته عبر هاتفها الذكي على أوسع نطاق..
ومساء أمس شاهدت بعض إنجازات الولاة عبر الشاشة..
وكانت إنجازات أقل ما توصف به أنها مضحكة ؛ ورغم ذلك أصروا على توثيقها..
ثم بثها من خلال نشرات الأخبار المتلفزة..
فوالٍ منهم احتفل بإنجازٍ يتمثل في افتتاح تدفق المياه من طلمبة على حافة بئر..
ثم ما أن اندفعت المياه هذه عالياً حتى تعالى التصفيق..
وحين هدأ طفق الوالي يتحدث عن انجازه الضخم هذا وسط التهليل والتكبير..
ووالٍ آخر احتفل بإنجاز مماثل..
وكان عبارة عن صهريج ماء بلاستيكي – سماوي اللون – مثبتٍ على قوائم حديدية..
ومن تحته أغنام تشرب من حوض صغير..
والوالي – وحاشيته – ينظرون إليها بفخر ؛ وعصيهم تكاد تعانق السماء طولا..
ولا أدري كيف عاشت الغنم هذه بلا ماء قبل إنجاز الوالي..
ووالٍ ثالث سبق إنجازه الموثق – صوتً وصورة – تقريرٌ عن مشروع السوكي..
ومعروف ما أصاب هذا المشروع الزراعي من دمار..
فقلت في سري: هذا هو الإنجاز – حقاً – إن تجسد زرعاً…وضرعا…وريَّا..
فإذا كاميرا التقرير تمسح خراباً…ويباباً…ويباسا..
ثم تنتقل إلى ركنٍ قصي فيه بئرٌ…ومضخة…وصهريج…ويعج بحاشية الوالي..
وعندما صرخ الجمع فرحاً تساءلت عن سر فرحهم هذا..
فما من شيء يستحق الصراخ…ولا الهتاف…ولا تكبد مشاق التصوير أصلاً..
وتذكرت كلمة كنت كتبتها عن والٍ إنقاذي قديماً..
فقد كان احتفل – وحاشيته – بقص شريط افتتاح مسلخ…سلخانة…جزارة..
بل إن والي الخرطوم احتفل بتركيب كشافات ملعبٍ رياضي..
وعلى قدر أهل العزم – ونعني هنا ولاتنا…وساستنا…ومسؤولينا – تأتي العزائم..
ولا فرق بينهم وجارنا الذي احتفل بتدشين سبيلٍ أمام داره..
بل لا فرق بينهم وبين سهى – الدلوعة – وهي تزغرد فرحاً بإنجازها الفريد..
فهنئاً لها باميتها..
وإنجازها !.